غزّة | طرحت حركة «حماس»، ومن خلال كتلتها البرلمانية، قانونا جديدا للعقوبات تود من خلاله تعديل قانون العقوبات الفلسطيني الرقم 74 لسنة 1936، بعدما فشلت في محاولة سابقة قبل حوالى عام في طرح قانون آخر واجهته القوى والمنظمات المجتمعية برفض شديد.
وقبل أيام وزع المجلس التشريعي مسودة القانون الجديد في نطاق ضيق على عدد من الشخصيات الحقوقية والقانونية، والبعض من مؤسسات المجتمع المدني، لكنه ووجه بمعارضة كبيرة، بما أن تطبيقه على أرض الواقع غير قانوني في الأساس، كما أنه يعمل على تكريس الانقسام بين الضفة الغربية وغزّة.
من ناحية قانونية لا يجوز لكتلة «حماس» سن قوانين لأنها لا تتبع الآليات القانونية في سن التشريعات وفق القانون الأساسي والنظام الداخلي للمجلس التشريعي، الذي ينص على ضرورة موافقة نصف أعضاء المجلس التشريعي زائدا واحدا حتى تكون الجلسة قانونية، على أن يقرأ القانون قراءتين أو ثلاث قراءات قبل أن يحول إلى رئيس السلطة الوطنية للموافقة عليه.
ويعاقب مشروع القانون الجديد المتهم بجرائم الإرهاب، وهو كل عمل إجرامي يبث الرعب في نفوس المواطنين بعقوبة المؤبد أو الطويل المدى، أما من ينشر معلومات تمس الأمن القومي كذباً أو افتراءً، فيعاقب بالحبس والجلد.
تتراوح عقوبة
الجلدبين 20 إلى 80
جلدة
أمين سر كتلة «حماس» في غزّة نافذ المدهون قال في تصريحات إذاعية إن «القانون الجديد سيحمل في مواده عقوبة الجلد، التي تبدأ من 80 جلدة متواصلة بالنسبة إلى القضايا الجنائية، و20 جلدة كحد أدنى بالنسبة إلى الجنح».
ولفت المدهون إلى أن الهدف من وراء تغيير قانون العقوبات ناتج عن عدم ردع القانون الحالي للمجرمين «الذين اعتبروا السجن مكانا للإقامة والتنزه ليس إلا»، مشيرا الى أن ذلك القانون سيكون أكثر ردعاً وعقاباً للمجرمين.
غير أن المحامي غازي أبو وردة رفض وبشدة مبدأ دراسة قانون جديد من قبل المجلس التشريعي لتطبيقه وتعديل قانون العقوبات الفلسطيني. وأوضح في حديث لـ «الأخبار» أن «المجلس التشريعي يدرس من يوم حل الانقسام بين الضفة والقطاع القوانين ويكتفي أعضاؤه بمشاورة بعضهم بعضا ومشاورة لجانهم فقط، وهذا خطأ كبير، لأنه قانونياً وإلزامياً أيضاً يجب أن تؤلّف لجان تضم محامين وقضاة وأشخاصا من النيابة العامة ومن حقوق الإنسان ومختصين نفسيين لدراسة أي قانون يُوضع».
وأضاف أبو وردة، وهو من أقدم المحامين في القطاع، إن «غزّة تمر في أوضاع سيئة وغير مسبوقة، ويجب على المجلس التشريعي أن يدرس أسباب الجريمة وغيرها من المخالفات القانونية التي تؤدي إلى السجن، وأن تعالجها بدلاً من أن يدرس ويطبق قوانين فجأة ويعدل القوانين القديمة».
بدورها، مديرة مركز الدراسات والأبحاث القانونية للمرأة، المحامية زينب الغنيمي شددت على أن «إقرار قانون العقوبات الجديد في غزّة دون الضفة الغربية سيزيد من الانقسام»، موضحةً أن «القانون سيعكس وجهة نظر أيديولوجية أحادية الجانب».
وأشارت الغنيمي في حديثها لـ «الأخبار» إلى أن من «سيشرع القانون في غزّة سيميل إلى الاعتماد على الشريعة الإسلامية كمصدر وحيد، برغم أن القانون الأساسي أشار إلى وجود مصادر أخرى»، منوهةً إلى أن كتلة «حماس» البرلمانية ترفض التعامل مع الاتفاقات الدولية وتعدها ثقافة غريبة مخالفة للدين.
واستذكرت المعركة التي خاضتها مؤسسات المجتمع المدني ضد المحاولة السابقة التي أجرتها «حماس» لإقرار قانون عقوبات جديد عام 2013، وكان يشمل عقوبات الجلد والرجم والقطع، مشيرةً إلى أن المسودة الجديدة حاولت تفادي هذه العقوبات برغم إبقاء عقوبة الجلد.
وتساءلت الغنيمي: «من يضمن ألا تضاف عقوبات الرجم والقطع إلى المسودة الحالية حين تجري مناقشتها؟»، وأكدت أنه «بالرغم من الحاجة إلى قانون للعقوبات بعد تزايد جرائم العنف والجرائم الالكترونية فإن الحل لا يكون عبر حلول عرجاء»، مشيرةً إلى أن الأفضل أن يجري التوصل إلى اتفاق مصالحة بين «فتح» و«حماس» لتلافي الكثير من المشاكل.
عضو مجلس إدارة نقابة المحامين وأمين سرها، زياد النجار لفت بعدما اطلع على نسخة من مسودة القانون، إلى أن «أساس دراسة القانون خطأ، وطرحه أيضاً خطأ، وآلية دراسته التي جرت منافيةً للقوانين التشريعية داخل المجلس»، مؤكداً أنه «فيما صدر أو سيصدر، فسيكون غير قانوني لأنه أشبه بسياسة فرض قوة الواقع».
وشدد النجار في حديث لـ «الأخبار» على أن نقابة المحامين الفلسطينيين تعبر عن موقفها بالرفض التام لهذه المسودة، التي تود كتلة «حماس» تطبيقها، مبيناً حسب مصادره أنهم استعانوا بقوانين العقوبات السودانية، التي تختلف تماماً عن القوانين المطبقة في فلسطين، وأن ذلك هدف لتشريع الضرب للسلطات التنفيذية في حكومة «حماس».
القانون أثار ردود فعل شاجبة له في أوساط المثقفين والشباب في القطاع، الرافضين لخطوات «حماس».
الكاتب حسن جبر أعرب عن استيائه مما سيجري تطبيقه من المجلس التشريعي، ولفت إلى أن «هذا القانون من ناحية إجرائية غير دستوري أو قانوني، حيث تقوم كتلة برلمانية واحدة بالتقرير فيه، معتمدة على قانون ابتدعته وهو التوكيلات». وأشار جبر إلى أن «القانون يعيدنا إلى العصور الوسطى، وتعارضه أغلبية كبيرة من الشعب الفلسطيني، لأنه يزيد من حالة الانقسام في الساحة الفلسطينية».من ناحية شبابية، فقد أعرب الناشط مهند عبد الباري عن رفضه التام لهذا القرار، بحجة أن المجلس المجلس التشريعي الفلسطيني الحالي لا يتمتع بحق إصدار القوانين لانتهاء صلاحيته الدستورية، وأن هذه العقوبات بعيدة كل البعد عن القيم الإنسانية، ولا تنسجم مع الواقع الحالي للدول المدنية الحديثة، وهذا التغيير سيدفع بالضرورة إلى المزيد من الانقسام السياسي على الساحة الفلسطينية.وأضاف عبد الباري «كيف تتحدث حركة حماس عن نيتها عقد المصالحة، وفي الوقت نفسه تعزز من شروط الانقسام، أستغرب انشغال حركة حماس بهذه القضايا في ظل هذا الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي المرير، الذي يعانيه أبناء شعبنا».