القاهرة | باتت الوساطة الأممية التي تقودها رئيسة بعثة الأمم المتحدة بالإنابة، ستيفاني ويليامز، هي المحرّك الرئيس بين الأطراف الليبية المختلفة، في ظلّ دعوات إلى الإسراع في عملية سياسية يمكنها أن تعيد بناء الدولة المفكّكة منذ سقوط نظام معمر القذافي. يأتي ذلك في وقت توصّلت فيه المفاوضات المكثّفة التي شهدها الأسبوع الماضي إلى اتفاق على بدء مسار سياسي سينطلق على الأرجح بعد الانتخابات الأميركية، بالنظر إلى انشغال الإدارة الحالية باستحقاق تشرين الثاني/ نوفمبر. جولة ويليامز في دول الجوار الليبي، ومن بينها مصر، حملت كثيراً من المقترحات والأفكار المعلنة وغير المعلنة، كما تزامنت مع اتصالات غير مباشرة بين القاهرة وأنقرة عبر أطراف ليبية، من أجل التنسيق لهذا المسار السياسي، وهو ما قد تبرز نتائجه بصورة ملموسة خلال الأسابيع المقبلة، ولا سيما لجهة وقف الاقتتال بين قوات حكومة «الوفاق» وقوات المشير خليفة حفتر.الرؤية الأممية تستند إلى مناقشات واسعة في جنيف، تضمّ، إلى جانب الأطراف الليبية الثلاثة الرئيسة، ممثلين عن الجنوب وباقي المناطق التي عانت من التهميش خلال المراحل الماضية؛ وذلك "لتلافي الأخطاء التي شابت إقرار اتفاق الصخيرات، وخصوصاً منها استبعاد أنصار القذافي من الحوار على رغم قوتهم"، وفق ما تقول مصادر مطلعة. وعلى رغم أن جولة ويليامز أعادت إحياء الدور الأممي، إلا أنها اصطدمت بصعوبات مرتبطة بالمواقف المتعنّتة لبعض الأطراف. ولذا، طلبت المندوبة الأممية دعماً عربياً واسعاً عبر الجامعة العربية، التي يفترض أن تقوم بدور أكبر خلال الفترة المقبلة، كما أبدت ترحيبها بالخطوات الأميركية في الضغط على الجميع للعودة إلى طاولة المفاوضات.
تبحث القاهرة عن بديل قوي من حفتر جرّاء الوضع الصحي للرجل


ومع أن موعد استئناف المفاوضات لا يزال غامضاً ولا حديث واضحاً عنه، إلا أن التهدئة على أرض الواقع هي أفضل ما يمكن الوصول إليه الآن، كما ترى القاهرة، علماً بأن التراجع الكبير في إرسال الأسلحة والمرتزقة من تركيا وبقية الدول العربية لمصلحة طرفَي النزاع يزيد احتمالات تجنّب الصدام العسكري في سرت. مع ذلك، لا ترغب الأمم المتحدة، حتى اليوم، في تبنّي المقترح الأميركي الذي أعلنه رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، لتشكيل عاصمة مؤقتة في سرت، فيما تقول مصادر شاركت في لقاءات مع ويليامز إن محاولة الأمم المتحدة إظهار الحياد هدفها استمرار كسب ودّ الأطراف كافة.
وعلى بعد أقلّ من ستة أشهر من موعد الانتخابات التي دعا إليها رئيس «الوفاق»، فائز السراج، لا يزال مصير هذه الانتخابات مجهولاً، وسط تشكيك في قدرة المتصارعين على التوافق على شكل النظام السياسي قبيل خوض الاستحقاق, أما في أنقرة، فثمة انشغال واضح بتسوية الخلافات التي تفاقمت في طرابلس وتزايدت معها التظاهرات ضدّ الحكومة هناك، في وقت يعمل فيه وزير الداخلية في «الوفاق»، فتحي باشاغا، على إنهاء خلافاته مع السراج، وسط رفض لمقترحات في شأن مسار الانتخابات المتوافَق عليه بين الأخير وصالح. كما تشير التقارير من العاصمة إلى توتر في العلاقة بين السراج وتركيا، وخاصة في ظلّ شعور الرجل بالتهميش لحساب باشاغا الذي زار العاصمة أنقرة من دون تنسيق مسبق. لكن التشديد التركي على الإبقاء على التشكيلة الحالية للمجلس الرئاسي من دون تغيير، كان كفيلاً بإعادة شعور الثقة والارتياح إلى رئيس "الوفاق"، الذي أجّل - مع ذلك - زيارة مفترضة لأنقرة حتى إشعار آخر.
على خطّ موازٍ، يتجدّد الجدل في القاهرة في شأن الوضع الصحّي لحفتر بسبب تقدّم الرجل في العمر ووصول تقارير عن تدهور حالته بشكل كبير، وهو ما يجعل مصر تبحث عن بديل محتمل يمكن الرهان عليه، في موقف يتّسق مع الرؤية الخليجية التي لا تزال تدعم حفتر، لكن مع البحث عن خليفة له. وفي هذا الإطار، لا يبدو أن المتحدث باسم قوات حفتر، اللواء أحمد المسماري، الطامح إلى خلافة قائده، يحظى - على رغم علاقاته - بالقدرة التي تُمكّنه من نيل هذه الثقة.