عمّان | ربّما لم تكن الزيارة الخاطفة التي قام بها ملك الأردن، عبد الله الثاني، للإمارات، قبل نحو ثلاثة أسابيع من إعلان «اتفاقية أبراهام» بين أبو ظبي وتل أبيب، بعيدة من مخاض تلك الاتفاقية. آنذاك، غرّد عبد الله، عبر «تويتر»، بوصف اللقاء مع ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، بـ»الدافئ والمثمر كما العادة»، مشيراً إلى «المساعي المشتركة في قضايا الإقليم، والتي تهدف إلى خدمة القضايا العربية والحفاظ على أمن المنطقة واستقرارها».التعليق الأردني الرسمي على الاتفاق الإماراتي - الإسرائيلي لم يخرج عن الخطاب الدبلوماسي المعهود على لسان وزير الخارجية، أيمن الصفدي، مع التركيز على الجانب الإسرائيلي ودعوته إلى أن «يختار بين السلام العادل» على أساس «إنهاء الاحتلال وحلّ الدولتين» بما يضمن قيام «دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة قابلة للحياة وعاصمتها القدس المحتلة على خطوط الرابع من حزيران 1967، أو استمرار الصراع الذي تُعمّقه انتهاكاته للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وخطواته اللاشرعية التي تقوّض كلّ فرص تحقيق السلام». أما الاتفاق بحدّ ذاته فلم يَحُز من تصريح الصفدي أكثر من اعتباره أنه «سيقود المنطقة نحو سلام عادل إذا تعاملت معه إسرائيل على أنه حافز» لـ»وقف كلّ الإجراءات الإسرائيلية اللاشرعية التي تقوّض فرص السلام، والدخول فوراً في مفاوضات مباشرة وجادّة وفاعلة لتحقيق السلام على أساس حلّ الدولتين، ووفق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية». بذلك، أعلن الأردن أنه لا يزال متمسّكاً بالمبادرة العربية، على الرغم من أن الأخيرة انتهت عملياً بخروج الإمارات العلني عن «الإجماع العربي» في العلاقة مع إسرائيل، والذي كان قد تهلهل كثيراً من تحت الطاولة.
يظهر أن القصر لا يريد إحراجه أمام أحد أكبر مموّليه


شعبياً، ومع أن الدولة الأردنية انخرطت في «معاهدة سلام» مع إسرائيل منذ عام 1994، إلا أن ردود الفعل جاءت رافضة للخطوة الإماراتية، مع التحفّظ في التعبير خشية الملاحقة الأمنية. مع ذلك، لم يمتنع بعض الكتّاب ورسّامي الكاريكاتير العاملين لدى صحف مُموّلة قطرياً عن انتقاد أبو ظبي علناً، ومنهم رسام الكاريكاتير عماد حجاج، الذي تَسبّب رسم له في جريدة «القدس العربي» باعتقاله وتحويله إلى محكمة أمن الدولة العسكرية. وهذه ليست المرة الأولى التي يتعرّض فيها أردني لمثل هذا الإجراء؛ إذ في وقت سابق تمّ سجن القيادي «الإخواني» البارز، زكي بن أرشيد، لمدة سنة ونصف سنة بعد كتابته مقالاً يتهم فيه الإمارات برعاية الإرهاب. والجدير ذكره، هنا، أن معظم المواقف المضادّة للإمارات على الساحة الأردنية (على المستويين الحزبي والإعلامي لا الشعبي) تخرج من جهات محسوبة على المعسكر القطري - التركي، سواء كانت «إخوانية» أو ليبرالية منحازة إلى الدوحة، وهو ما يجعل رفضها للتطبيع بين أبو ظبي - تل أبيب مرتبطاً بالخصومة الخليجية أكثر منه بالقضية الفلسطينية.
في سياق متصل، ترتسم علامات استفهام كثيرة حول مصير الأمير علي، الأخ الشقيق للملك عبد الله، بعد مشاركته على «تويتر» مقالاً ينتقد الاتفاق الإماراتي - الإسرائيلي، بل ويصفه بـ»النفاق» لادّعاء أبو ظبي أنه يوقف ضمّ الضفة. الأمير، وإن نشر المقال من دون أيّ تعليق، إلّا أنه ما لبث أن مسح، بأوامر عليا، تغريدته، التي كان غريباً أنها ظلّت، مع ذلك، ظاهرة لدى البعض. ولا تبدو مهاجمة الأمير علي للإمارات مستهجنة، ولا سيما في ظلّ وجود بعد شخصي في موقفه، وهو الذي كان قد انحاز علناً إلى شقيقته الأميرة هيا، لدى هروبها مع طفليها من حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم.
وليس التحرّك الأردني ضدّ منتقدي الإمارات جديداً، في ظلّ وجود آلاف الأردنيين العاملين هناك، فضلاً عن المساعدات الإماراتية للمملكة إبان «قمّة مكة» الرباعية قبل عامين. لذا، يظهر أن القصر لا يريد إحراجه أمام أحد أكبر مموّليه، وثاني قوة إقليمية ينضوي تحت جناحها بعد السعودية، ولو جاء انتقادها من الأمير علي، الذي يستبعد أن يتمّ توقيفه، ولكن الأكيد تعرّضه لضغوط للتراجع عن موقفه.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا