القاهرة | يكاد يكون تحذير وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، من «هدوء خادع» في ليبيا، الأكثر دقة من بين تصريحات المسؤولين الغربيين المعنيين بهذا الملف، في ظلّ زيارات مستمرة إلى البلاد لقادة عسكريين، سواء من أنقرة أم الدوحة أم القاهرة، لمقابلة حلفائهم العسكريين على الأرض ومناقشة التطورات معهم؛ إذ التقى مدير المخابرات العامة المصرية، عباس كامل، أمس، اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وذلك بعد يومين من زيارة وزيرَي دفاع تركيا وقطر لطرابلس من أجل لقاء القادة العسكريين في حكومة «الوفاق»، وبحث الوضع الميداني معهم، خاصة في ما يتعلق بميناء مصراتة وخطوات إنشاء قاعدة بحرية عسكرية للسفن التركية بتمويل قطري (تأمل أنقرة الانتهاء منها قريباً).هذه الخطوات عَدّتها القاهرة «انتهاكاً واضحاً لاتفاق الصخيرات الذي تستمدّ منه الوفاق شرعيتها»، ولذا فهي تنسّق مع عدد من أعضاء البرلمان الليبي لتصعيد رفضهم للقاعدة، التي ترى مصر فيها تهديداً للأمن القومي لدول الجوار، و«مصدر قلق»، سواء بوجود تركي عسكري دائم في البلاد أم بوجود موطئ قدم لأنقرة بحرياً. وحتى اليوم، لم تشتبك مصر وتركيا مباشرة في ليبيا، لكن القاهرة أغارت جويّاً على مواقع للأسلحة التركية، خاصة في قاعدة «الوطية»، وهي الغارات التي وصفت بأنها مجهولة الهوية، علماً بأنها تكرّرت مرتين في الأشهر الثلاثة الماضية، وأن الطائرات التي نَفّذتها انطلقت من قاعدة عسكرية شمال مالي. ويلتزم الجيش المصري بتجنّب الاشتباك إلا وفق الخطوط الحمر التي أعلنها الرئيس عبد الفتاح السيسي، والتي يتقدّمها خطّ سرت - الجفرة الذي لم يتمّ اختراقه إلى الآن، في وقت باتت فيه المقترحات حول هذه المنطقة تتّجه نحو تصنيفها «معزولة السلاح»، مع إمكان أن تصير مقراً رئيساً لإدارة انتقالية، بحسب رئيس البرلمان الليبي، عقيلة صالح، الذي قدّم مقترحاً في هذا الإطار، لكنه لم يلقَ قبولاً كبيراً، لكونه يتعارض مع الرؤية الأميركية المتركّزة على نشر قوات دولية في المنطقة من أجل ضمان التدفق النفطي.
حذّر وزير الخارجية الألماني من «هدوء خادع» في ليبيا


وفي خطوة تعكس استغلال حفتر لمسألة النفط، فتحت الموانئ النفطية مؤقتاً من أجل تفريغ الخزانات التي امتلأت عن آخرها خلال الأسابيع الماضية، من جرّاء توقف التصدير، كما كان يحدث سلفاً، في خطوة يسعى من خلالها الجنرال المتحالف مع القاهرة وباريس وأبو ظبي إلى تأكيد سيطرته على المنطقة وإظهار أنه يعمل على حلّ مشكلات الليبيين، ولا سيما أن جزءاً من عملية تشغيل المنشآت النفطية أسهم في تعويض تدفقات الغاز الناقصة لمحطات توليد الكهرباء. ويرتبط موقف حفتر برغبته في كسب شعبية داخل ليبيا، خاصة مع ترويج أنصاره أخباراً حول تجنيس المرتزقة السوريين ومنحهم جوازات سفر ليبية من حكومة «الوفاق» بقيادة فائز السراج، والتي استقبلت آخر أسبوعين أكثر من ثلاثمئة شخص عبر رحلات جوية من تركية.
اللافت أنه على رغم خطاب التهدئة خلال الأسابيع الماضية بين طرفي النزاع الرئيسين، القاهرة وأنقرة، فإن التحضيرات على أرض الواقع تبدو مختلفة؛ إذ أرسلت الأخيرة مزيداً من الأسلحة، فيما تحرّكت الأولى لبدء تدريبات عسكرية جديدة في ظلّ تشديدها على جاهزية قوات الجيش، وهو ما أكده السيسي أمس باجتماعه مع قادة عسكريين، بعدما تلقى معلومات من الأقمار الاصطناعية عن التعزيزات العسكرية التركية في الأسابيع الماضية. كذلك، استدعى الجيش بعض العسكريين مجدداً، على رغم أن الأوضاع كانت قد هدأت، وسط حديث عن تدريبات سيَحضرها السيسي شخصياً، بالتزامن مع إعلان تخرّج دفعات جديدة من الكليات العسكرية المختلفة، فضلاً عن تعزيزات واضحة في قاعدة «محمد نجيب» خلال الأيام الماضية وعودة التدريبات المكثفة هناك، ما يعكس تجدّد احتمالات المواجهة، وإن كانت التوقعات تشير إلى أنها لن تكون قريبة.
ويعقّب قائد عسكري، تَحدّث إلى «الأخبار»، على تلك المعطيات، بأن تحرّكاً أميركياً حاسماً سيكون وحده القادر على منع المواجهة إذا تمّ في التوقيت الصحيح، مشيراً إلى أن «مراقبة جيدة من واشنطن للوضع سيكون لها القول الفصل، مع الأخذ بالاعتبار الدعم الفرنسي اللامحدود لمصر في موقفها بالدفاع عن حفتر وفق التفاهمات بين القاهرة وباريس».



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا