دمشق | مرحلة انتظار يمضيها السوريون، وسط حصار اقتصادي، ونظام صحّي متهالك يقارع وباءً عالمياً خطيراً، إضافة إلى مستوى معيشي متدنٍّ. تشكيل حكومة جديدة قد يحسم المرحلة جزئياً، حتى موعد الانتخابات الرئاسية العام المقبل، فيما انتهت الانتخابات البرلمانية أخيراً، من غير أن تحمل جديداً، رغم تمسّك القيادة السورية بالحديث عن تغيير إيجابي.الحكومة المُنتظَرة يُتوَقع تشكيلها بعد إحداث تغيير يبدو ضرورياً في بعض وجوه القيادات الحزبية التي تقف عادةً وراء الترشيحات الوزارية. فإن كان لا بدّ من حكومة تليق بآمال الناس المُتعَبة، يتحتّم تغيير مَن وقف خلف جميع الحكومات الماضية، ممَّن تتعالى الأصوات ضدّهم في كلّ حين. وإن كانت الترشيحات قائمة على جرد وتقييم أعمال أعضاء الحكومة الحالية، بعيداً من المحسوبيات والاستزلام، تظهر وجوه وزارية تميّزت بعيداً من الصخب الإعلامي والتسويق الشخصي، متمثلة بمبادئ «الإصلاح الإداري» عبر تأسيس تجارب تنموية تؤتي ثمارها على المدى الطويل. ولعلّ أبرزها وزراء التعليم العالي والاتصالات والسياحة، القادمين من خلفيات مشهود لها، إضافة إلى وزير التربية الذي حفظ السوريون اسمه من خلال محاولاته كسر الحاجز بين الإعلام والمسؤول، والتي نجح في بعضها. كذلك، جرى إعفاء أسماء حكوميّة أُخرى، من بينها الوزير السابق للتجارة الداخلية وحماية المستهلك عاطف النداف، ورئيس الحكومة السابق نفسه عماد خميس، من غير إعلان تقييمات تشرح وجوب إعفائهما من منصبيهما، غير أن الأسباب تتعلّق بسوء الإدارة، بحسب معلومات مؤكدة من مكاتب القيادة السورية.
رأى الرئيس السوري في الانتخابات البرلمانيّة الأخيرة اختلافاً كبيراً عن ما سبقها


ووسط اعتراضات كثيرة على أداء وزارة الصحة في خلال الأزمة الصحية التي تشهدها البلاد، تحت وطأة انتشار وباء «كورونا»، يبدو الوزير شخصيّاً أمام استحقاق صعب، بينما وزارة الثقافة خارج المشهد كلياً بعد سنوات من الركود الطويل، وهي المعنيّة بقيادة نهضة يستحقّها السوريون. واستقبل الرئيس السوري، بشار الأسد، أخيراً، فريق «مشروع الإصلاح الإداري»، وهو المشروع الإصلاحي الذي أطلقه قبل ثلاث سنوات ليُطبّق عبر خطة مدّتها خمسة أعوام في الحدّ الأدنى. وزارة التنمية الإدارية تظهر بمظهر حامل المشروع الذي يعادل برنامجاً رئاسياً صالحاً لتقديمه خلال انتخابات 2020، إن كان قد نضج ما يمكن للمواطن أن يتلمّسه جرّاء الإصلاحات التي يطرحها. أما وقد أفرد الأسد جزءاً غير يسير من خطابه للتركيز على زيادة الإنتاج وضبط الهدر ودعم القطاع الزراعي والاستثمارات الصغيرة، فإن التخبّط الذي يسود القطاعَين الزراعي والصناعي بات جديراً بإيلاء الوزارتَين المعنيتَين اهتماماً خاصاً، ولا سيما مع إعلان الرئيس السوري أن الوقت مناسب لضخّ الأموال ضمن دورة الإنتاج، والدعوة الرئاسية إلى إصلاحات عاجلة في قطاع الزراعة.

برلمان «الشِّعر وأمراء الحرب»
آخر ملامح التغيير الشكلي في سوريا، برز أخيراً في مجلس الشعب بدوره التشريعي الثالث، متجلياً بوصول 110 أعضاء من فئة الشباب إلى مقاعد البرلمان، من أصل 250 عضواً يفترَض تمثيلهم مختلف الفئات الشعبية. وليس خافياً أن أسماء النواب الجدد ليست واعدة، كونها جاءت ضمن القالب المعتاد، بعيداً من أصحاب المشاريع التي يمكن أن تترك أثراً في الحياة السياسية والتشريعية والخدمية، يلحظه الشارع. حتى إن الأسد وقف في خطابه الأخير أمام أعضاء المجلس وخاطب من قصَدَهم وجهاً لوجه، مستخدماً - للمرة الأولى - عبارات لم يألفها السوريون، حول التدخلات الانتخابية و«المال السياسي». اختبر السوريون بعض وجوه المال السياسي والتدخلات، من خلال اتهام مرشّحين خاسرين في الانتخابات قياداتٍ حزبية بالتدخل لمصلحة مرشّحين آخرين، وذلك بالتزامن مع الحديث عن دفع نوابٍ مُنتخَبين مبالغ مهولة خلال حملاتهم الانتخابية في محافظة حلب، قلبت النتائج لمصلحة من يسمّيهم الشارع «أمراء الحرب». رغم ذلك كله، رأى الرئيس السوري في الانتخابات الأخيرة اختلافاً كبيراً عن ما سبقها، إذ إنها تجربة مفيدة لجهة رؤية المشاكل والسلبيات على أرض الواقع، بل ودرساً يمكن استخلاصه عبر حوار ما بعد الانتخابات. وفي مشهد مستهلك يضع التجديد المأمول في «خبر كان»، بدت لافتة الأبيات الشِّعرية التي خرجت من فم أحد النواب لتمتدح الرئيس العائد لاستكمال خطابه، بعد توقّف بسيط عزاه الأسد إلى هبوط طفيف في الضغط.
لا مشانق للفاسدين..

ولا انتحار للانهزاميين!
الحماسة لمحاربة الفساد خلال الفترة المقبلة غير كافية للقضاء عليه، فـ«لا تعليق مشانق»، رغم تعالي أصوات السوريين عبر وسائل التواصل الاجتماعي طلباً لذلك، إنما إصلاحاً للقوانين والقرارات والإجراءات. قالها الأسد بوضوح. ولمّح إلى أن رأس المال ليس وطنياً، إن لم يكن جزءاً من دورة الاقتصاد، واعداً بمواصلة العمل الهادف إلى استرداد الأموال العامة المنهوبة عبر الطرق القانونية والمؤسسات، من غير محاباة. الأمثلة التي حفظها السوريون معروفة على مدار الأشهر الفائتة، عبر تسجيلات مصوّرة تداولوها كثيراً حول رفض رجل الأعمال وقريب الرئيس، رامي مخلوف، دفع التزامات شركاته للدولة السورية. رجال أعمال آخرون أوفوا بالتزامات مؤسساتهم المالية أو جزء منها حتى الآن، منهم محمد حمشو وطريف الأخرس وغيرهما ممَّن وردت أسماؤهم في قوائم نُشرت قبل أشهر. وعلى رغم هجوم الأسد على من وصفهم بـ«الانهزاميين»، من أصحاب النفوس المسحوقة التي تسوّق للحياة من خلال دعوتها إلى الانتحار، فإن تغييراً لافتاً شهدته مؤسسة الرئاسة أخيراً بالنسبة إلى التعاطي مع الآخر. أسلوب جديد اتبعه الفريق الرئاسي عبر عقد جلسات حوارية مع صحافيين وإعلاميين خارج أطر السياسة الإعلامية الرسمية، بل إن بعضهم مخالفٌ أو حتى معارض لها. أما التأكيد على عبارات مثل «دماء الشهداء ليست بالمجان. لها ثمن. ثمنها الصمود ومن ثم الانتصار»، و«المسؤول يرى الفساد من خلال القانون الذي يرى من خلال الوثائق والأدلة»، فيحتاج إلى ترجمة على أرض الواقع، في بلد تلزمة جهود استثنائية ليلتزم صموده الطويل.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا