لم ينبع الربط بين تمديد المفاوضات وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية من فراغ، بل شكل نتيجة طبيعية للأسس التي انطلقت في ضوئها الجولات الأخيرة من المحادثات، في 29 تموز الماضي.
ومع التأكيد على حق وضرورة تحرير كافة الأسرى الفلسطينيين، كان ينبغي حتى بمعايير أنصار الخيار التسووي أن يتم ذلك مع اتفاق أوسلو عام 1993. وكان واضحاً أنه عندما وافقت إسرائيل على تحرير 104 فلسطينيين أسرى، على دفعات أربع، لم يكن ذلك إلا بديلاً من شرط تجميد الاستيطان، ولاعتبارات سياسية داخلية إسرائيلية. وهكذا تحولت الدفعات المتوالية إلى غطاء ومبرر للاستمرار في المفاوضات، في ظل استمرار التوسع الاستيطاني. هذه المعادلة التي أرستها إسرائيل، وتكيّفت معها السلطة الفلسطينية عملياً، أظهرت وكأن السلطة تعترف ضمناً بأن الضفة والقدس أراض متنازع عليها، بل بدت كما لو أنها مستعدة للتكيف مع التوسع الاستيطاني، ما خلا رفع الصوت اعتراضاً، في مقابل تقديمات من نوع آخر.
هذا المسار مكّن تل أبيب، بغطاء من الولايات المتحدة ودعمها، من ممارسة سياسة ابتزاز مع السلطة الفلسطينية، تمثل في اشتراط موافقتها على تمديد المفاوضات مقابل الالتزام بتحرير الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين، والتي تشمل 26 فلسطينياً من أصل 104 معتقلين يعود اعتقالهم إلى ما قبل اتفاق أوسلو عام 1993.
وعبّر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عن هذه المقايضة خلال جلسة لوزراء حزب الليكود، أمس، بالقول إنه «لن يوافق على أي صفقة من دون أن يكون واضحاً ما هو المقابل الذي ستحصل عليه إسرائيل»، كذلك لم ينف المعلومات التي تحدثت عن اقتراح يتضمن الإفراج عن أسرى فلسطينيين إضافة إلى الدفعة الرابعة.
ودعا نتنياهو الوزراء إلى «عدم الإدلاء بتصريحات إلى حين اتضاح الأمور»، لافتاً إلى أن الأمر يتطلب عدة أيام حيث سيتضح حينها اتجاه الامور، إما إلى «صفقة أو إلى انفجار»، متعهداً بطرح أي قرار متعلق بتحرير أسرى فلسطينيين على طاولة الحكومة.
من جهته، أكد الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز الموجود في النمسا أمس أن جميع الأطراف «يعملون على مدار الساعة في مسعى للتوصل إلى اختراق في المحادثات»، معرباً عن أمله بـ«أن تحدث تطورات إيجابية في المفاوضات في الايام المقبلة».
بدوره، أعلن وزير الاستخبارات يوفال شتاينتز للصحافيين أمس أن الحكومة وافقت على الدفعة الرابعة، لكنه شدد على أنه لن يتم إطلاق سراح هذه الدفعة ما دام الرئيس الفلسطيني محمود عباس يستعد «لتفجير المفاوضات» في اليوم الذي يلي ذلك.
أما زعيمة حزب ميريتس اليساري زهافا جالئون فحضّت نتنياهو «على اتخاذ قرارات شجاعة، حتى لو كانت صعبة».
من جهته، كشف عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد اشتية لإذاعة صوت فلسطين أن مصير المفاوضات سيقرره القادة الفلسطينيون في اجتماع يعقدونه اليوم، لافتاً إلى أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمهل الإسرائيليين حتى اليوم للرد.
واتهم اشتية، في وقت سابق أمس، إسرائيل بأنها «تمارس ابتزاز اللحظة الأخيرة، بعدم الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى»، كما كان مقرراً لها. وأوضح اشتية، في كلمة له خلال حفل إحياء يوم الأرض في رام الله أمس أن عدم الإفراج عن هذه الدفعة «يجعلنا في حل من أي التزام». في غضون ذلك، أكد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واصل أبو يوسف أن «اتصالات تجري بكثافة مع الجانب الأميركي من أجل الإفراج عن الأسرى»، مشيراً إلى أن «الولايات المتحدة راعية الاتفاق يجب عليها الضغط على الجانب الإسرائيلي، وتأمين إطلاق الدفعة الرابعة».
وأوضح أبو يوسف، في حديث إلى وكالة «الأناضول»، أن «القيادة الفلسطينية ستدرس كل الخيارات»، مؤكداً «عدم قبول الجانب الفلسطيني بأي اشتراطات جديدة، كتمديد المفاوضات أو الاعتراف بيهودية الدولة». أما كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات فأكد أن الابواب لم تغلق بعد للإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين.
وقال عريقات إنه «يقوم بسلسلة اتصالات دقيقة وحساسة مع الجانبين الأميركي والإسرائيلي تتطلب أكبر قدر من الابتعاد التام عن التصريحات الصحافية وإلاعلامية»، مضيفاً «على إسرائيل الالتزام بالإفراج عن 30 أسيراً على اعتبار أن ذلك استحقاق وجب تنفيذه لاستكمال الإفراج عن 104 معتقلين ما قبل أوسلو».
وكانت مصادر إسرائيلية ذكرت بأن إسرائيل والولايات المتحدة اقترحتا على رئيس السلطة محمود عباس إطلاق سراح 400 أسير فلسطيني، إضافة إلى إطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى، بمن فيهم الفلسطينيون، من داخل الخط الأخضر، وتقليص الوجود الإسرائيلي في العديد من المناطق في الضفة الغربية، شريطة موافقته على تمديد المفاوضات ستة أشهر أخرى. أما في ما يتعلق بمسألة إيراد الاعتراف الفلسطيني بيهودية الدولة، الذي ما زال الطرف الفلسطيني يعارضه مدعوماً بما صدر عن قمة الكويت، فتتحدث التقارير الاعلامية عن أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري يعمل في هذه المرحلة على محاولة إيجاد مقايضة بين الجانبين يعدّل بموجبها البند المتعلق بإسرائيل بصفتها «الوطن القومي لليهود» في الاتفاق في مقابل موافقة الجانب الفلسطيني على البند المتعلق بالقدس. كذلك لفتت التقارير أيضاً إلى أن كيري ما زال يعمل من أجل التوصل إلى «اتفاق إطار»، وأن خطته البديلة، في حال فشل هذا الاتفاق، هي تمديد المفاوضات حتى نهاية العام. ويقوم المبعوث الأميركي مارتن انديك «بفحص شروط تمديد المفاوضات حتى نهاية العام في حال فشل مشروع اتفاق الإطار».
من جهة أخرى، ذكرت صحيفة «معاريف» أن الحملة التي يقودها المستوى السياسي في إسرائيل لتحميل السلطة الفلسطينية مسؤولية فشل المفاوضات أتت ثمارها. ولفتت إلى أن «مسؤولين في الحكومة عبّروا عن رضاهم عن أن «رئيس السلطة الفلسطينية أدخل نفسه في مواجهة مع الولايات المتحدة ودول الغرب». ونقلت الصحيفة عن مسؤول إسرائيلي قوله «تغلبنا على أبو مازن»، موضحاً ذلك بأن إسرائيل نجحت في إقناع الولايات المتحدة وأوروبا بأن عدم التقدم في المفاوضات ينبع من موقف الفلسطينيين وليس من مواقف إسرائيل. ونتيجة ذلك، فإن معظم الضغط يمارس على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وليس على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. ولفت المسؤول أيضاً إلى أن الحكومة الإسرائيلية تنظر إلى المفاوضات مع الفلسطينيين كهدف قائم بذاته، يمنحها غطاءً سياسياً في وجه حملات المقاطعة، ويتيح لها الوقت الكافي لفرض الوقائع على الأرض، ويحول دون توجه الفلسطينيين إلى مؤسسات الأمم المتحدة، وفي الوقت ذاته تبذل الجهود لعدم تحمل مسؤولية الفشل المتوقع وما ينطوي عليه من ثمن، وتعمل على إلقاء تبعات هذا الفشل على السلطة الفلسطينية. وأضاف أيضاً أن إسرائيل تنتهج سياسة إدارة الصراع لا حلّه.