في ظل المحادثات الماراثونية التي تجريها الادارة الأميركية مع الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، وبلحاظ الاقتراحات التي بدت خالية من أي مؤشر على تقدم فعلي في الطريق إلى نجاحها، بدا تمديد المفاوضات، بعد التاسع والعشرين من نيسان المقبل، كما لو أنه هدف بحد ذاته، أكثر من كونه توفيرا للمزيد من الوقت الذي تحتاجه مساعي التوصل إلى اتفاق نهائي وشامل بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية.
وبالرغم من السيناريوهات التي يجري التلويح بها من جراء فشل مفاوضات التسوية، دولياً واقتصادياً، لن تسقط السماء على الارض بنظر معسكر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو اليميني، بل يرى العديد من اقطاب هذا المعسكر، في ذلك فرصة وانجازاً، ما دام سوف يؤدي إلى تخليد الوضع القائم في الضفة الغربية، في مقابل بديل ينطوي على اتفاق يتعارض مع سقفه السياسي وخلفيته الايديولوجية. ويعزز هؤلاء نظريتهم، بأن الواقع العربي يفرض ويسمح، لهم، بالتحصن بمواقفهم. فلا العالم العربي في وضع يسمح له بممارسة ضغوط جدية، وهو ما لم يفعله عندما كان «معافى»، ولا مرحلة المخاض التي تمر بها المنطقة العربية تسمح لإسرائيل للمغامرة باتفاقات لا تضمن تداعياتها، كما أن تل أبيب تراهن على أن المفاوضات النووية بين إيران والسداسية الدولية، ستستحوذ خلال الأشهر المقبلة على اهتمام الطرفين الأميركي والإسرائيلي، وستدفع بالملف الفلسطيني عن صدارة جدول اعمال الادارة الأميركية.
ولعل هذا ما يفسر قرار تل أبيب تفجير المحادثات بقرارها رفض تحرير الدفعة الرابعة من الأسرى، الذي كان مقرراً اليوم. فقد أعلن نائب أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح اللواء جبريل الرجوب أمس، أن «الحكومة الإسرائيلية أبلغتنا من خلال الوسيط الأميركي وراعي عملية السلام» القرار الإسرائيلي.


قدم أبو مازن صيغة العودة إلى خارطة الطريق من أجل تمديد المفاوضات

في المقابل، فإن رئيس السلطة محمود عباس، وإن كان معنيا باستمرار المفاوضات، بل وبالتوصل إلى اتفاق «معقول»، لكن ذلك مشروط بسقف سياسي لم يعد بالامكان خفضه بعدما بات يلامس التراب، وخاصة أن المفاوضات تمثل خياره الاستراتيجي الوحيد، ولا بديل عنها إلا نفسها، كما أن الاعلان عن فشل المفاوضات سوف يضعه في مواجهة الولايات المتحدة، في المؤسسات الدولية، وهو مسار يحرص عباس على تجنب الاضطرار إلى خوضه.
إضافةً إلى ما تقدم، وبرغم أن التقدير الغالب للمتابعين، يجنح إلى استبعاد التوصل إلى اتفاق اطار، يسمح بتمديد المفاوضات، إلا انها حتى لو تحقق، فلن يؤدي سوى إلى كسب المزيد من الوقت، الذي سوف تجري «تعبئته» بالمفاوضات، من دون أن يقترن ذلك بأي اضافة على منسوب الرهان على نجاحات معتبرة. في هذه الحالة، سوف يواصل الطرف الإسرائيلي مناورته بأداء دور الحريص على التوصل إلى اتفاق، واعتماد خطاب يرمي إلى تحميل الطرف الفلسطيني مسؤولية فشل التوصل إلى اتفاق. واذا كان من مكسب للطرف الفلسطيني، من تمديد المفاوضات، فلن يتجاوز تحرير العديد من الأسرى، مع تأجيل لبعض الاستحقاقات المتصلة بمرحلة استنفاد سبل تذليل العقبات التي حالت حتى الآن دون التوصل إلى اتفاق نهائي.
في هذه الاجواء، يواصل كبار المسؤولين الأميركيين محادثاتهم لبلورة معادلة تتيح تمديد المفاوضات بعد انتهاء مدة جولتها الحالية نهاية الشهر المقبل. بدءاً من لقاء وزير الخارجية جون كيري الرئيس محمود عباس في العاصمة الاردنية، قبل يومين، وعلى نحو مواز تحدث كيري هاتفياً مع نتنياهو، مروراً بمواصلة كيري محادثاته من روما، وهو بمعية الرئيس الاميركي باراك اوباما، مع نتنياهو وعباس، وصولاً إلى مكوث المبعوث الأميركي مارتين انديك، في إسرائيل، ليواصل اتصالاته مع نتنياهو ووزيرة القضاء تسيبي ليفني، والمبعوث الخاص لرئيس الحكومة المحامي يتسحاك مولخو، ومن الجانب الفلسطيني مع صائب عريقات وعباس. وفي إطار هذه الاتصالات تنقّل عدة مرات يوم أمس بين القدس ورام الله.
ونقلت صحيفة «هآرتس»، عن مصادر فلسطينية قولها إن انديك، قدم عدة اقتراحات لتمثل أساساً لتمديد المفاوضات بين الطرفين لعدة شهور، وأنه بالنسبة إلى أبو مازن والقيادة الفلسطينية فإن الافراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى يجب أن تكون مشمولا في أي معادلة، لأنه جرى التفاهم بشأنه مع الأميركيين عشية تجديد المفاوضات. وأوضحت الصحيفة أن هناك تقديرات فلسطينية تشير إلى أن الافراج عن الدفعة الرابعة من المعتقلين الفلسطينيين، تأجل أسبوعين.
في السياق نفسه، ذكرت «هآرتس» أيضاً أن السلطة الفلسطينية قدمت إلى الولايات المتحدة صيغاً أخرى تمثل أساسا لتمديد المفاوضات، من ضمنها إمكان العودة إلى خارطة الطريق التي عرضها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، باعتبار أن الطرفين يريان فيها إطاراً للمفاوضات.