ثمّة خلاصة واحدة لزيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي للعاصمة الإيرانية طهران؛ دوائر القرار هناك، على اختلاف رؤاها، تدعم الحكومة الاتحادية الحالية ورئيسها لاجتياز المرحلة «الحرجة» التي تمرّ بها البلاد. هذه الخلاصة، مردّها، أوّلاً، إلى المقاربة الإيرانية «الجديدة» وكيفية إدارة العلاقة مع العراق، بُعيد اغتيال قوّات الاحتلال الأميركي قائد «قوّة القدس» في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس، ورفاقهما، مطلع العام الجاري، في محيط مطار بغداد الدولي. مقاربة «أوجبت» دعم الدولة العراقية، ومساعدة حكومتها بشكل جاد في النهوض بمؤسساتها. هذه المقاربة رافقتها بعض «التناقضات» في وجهات النظر بين دوائر القرار في العاصمة طهران. جليّاً، ظهر ذلك مع تسمية الكاظمي لرئاسة الوزراء قبل شهرين. فريق إيراني دعا إلى دعمه بشكل كامل وتوفير الظروف الملائمة لإنجاح تجربته، وآخر أعرب عن دعم خجول مشروط. أمام هذه المقاربات، تصدّر الضياع موقف أركان «البيت الشيعي»، وخاصّة مع إعلان بعضهم عزمه على تشكيل «جبهة معارضة» لحكومة الكاظمي، متسلّحين بغطاء إيراني مقرون بالتضرّر من القرارات الأخيرة للكاظمي.بين «اختلاف» وجهات النظر في إيران، وانقسام القوى «الشيعية» في العراق، توجّه الكاظمي إلى طهران، التي كان من المفترض أن تكون محطته الثانية بعد زيارة العاصمة السعودية الرياض. حتى اللحظة، تفتقد بغداد جواباً «مقنعاً» عن سبب تأجيل الزيارة قبل ساعات من موعدها، في وقت يشير فيه مقرّبون من مصدر أمني رفيع إلى أن «التأجيل مردّه ضغوط أميركية على المملكة السعودية، وخصوصاً بعد الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف لبغداد (الأحد 19 تموز/ يوليو الجاري)».
حتى اللحظة تفتقد بغداد جواباً «مقنعاً» عن سبب تأجيل الرياض الزيارة قبل ساعات


في طهران، التقى الكاظمي كبار المسؤولين هناك. يمكن القول إن المباحثات الثنائيّة أخذت مسارين أساسيّين: اقتصادي - تجاري، وسياسي - أمني. في الشق الأوّل، بحث الجانبان سبل تطوير العلاقات الثنائية وآلية رفع التبادل التجاري إلى أكثر من 20 مليار دولار سنويّاً. في الشق الثاني، كان لافتاً جدّاً حديث المرشد علي خامنئي، وتشديده على ضرورة إسراع الحكومة في تنفيذ القرار البرلماني الداعي إلى انسحاب القوّات الأجنبية من العراق.
سياسيّاً، تكمن أهمّية مخرجات الزيارة بـ«توحيد» دوائر القرار الإيرانية رؤاها إزاء الكاظمي، وتشديدها على ضرورة دعمه شخصاً وحكومة في المرحلة المقبلة، مع التماس جميع الأطراف، عراقيين وإيرانيين، أن التطوّرات لا تُنذر بخير، وأن المرحلة تفرض تكاتف الجميع لعبورها، وإلا فإن الانهيار الاقتصادي آت لا محال، وهذا سيضرب العملية السياسية أوّلاً، وبنية الدولة ثانياً، وعليه فإن «عراق ما بعد الـ 2003» آيلٌ إلى الأفول. أُبلغ الكاظمي أيضاً أن نجاحه في هذا الاستحقاق يعني «التمسّك بك كخيار استراتيجي». تلقائيّاً، وصلت الرسالة: النجاح في المدة المنظورة يعني ظفراً بـ«الولاية الثانية».
توحّد الرؤى سيفرض في الأيّام المقبلة أمرين:
1- تكثيف الكاظمي لإجراءاته المختلفة في إعادة مسك الدولة والنهوض بواقعها الاقتصادي وتجنيبها الانهيار والإفلاس. كذلك، تنفيذ القرار البرلماني الداعي إلى انسحاب قوّات الاحتلال الأميركي.
2- دعوة طهران و«حلفائها» الإقليميين، إلى «تهدئة» بعض القوى العراقية في خياراتها وتوجّهاتها، القاضية بتعقيد أو عرقلة مهمّة الكاظمي في الحد الأدنى، أو الانتقال إلى «المعارضة»، أو دعم حراك شعبي، في الحد الأقصى.
وفق المعلومات، فإن أركان «البيت الشيعي»، في المرحلة المقبلة، سيجهدون في دعم الحكومة والوقوف إلى جانبها، علماً بأن بعضهم أراد إطلاق سلسلة تحرّكات مناهضة لها في الأسابيع المقبلة. الأيام القليلة المقبلة، وفق أكثر من مصدر سياسي، تحمل «انفراجات» على أكثر من صعيد، إن سارت رياح «الالتزامات» كما تشتهيها سفينة الكاظمي... وطهران!