اسطنبول | بعد دخول الحرب السورية عامها الرابع، لا تبدو تركيا على «موجة» بعض حلفائها العرب والغربيين. فشَل حكام أنقرة في إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، ودفْنُهم سياسة «صفر مشاكل» التي نظّروا لها طوال العقد الماضي، لم يدفعاهم إلى إجراء مراجعة نقدية لأدائهم. بل على العكس من ذلك، يبدو أنّ رجب طيب أردوغان وفريق عمله يريدون تحقيق أهدافهم في سوريا بالعمل المباشر... بمغامرة طائشة ربما تأخذ المنطقة إلى انفجار من نوع آخر. هذا على الأقل ما يوحي به التسجيل الصوتي المسرّب أمس، الذي يناقش فيه أربعة مسؤولين أتراك كبار سيناريو لتنفيذ عملية سريّة ترمي إلى تبرير تدخل عسكري في سوريا. تسريبات أركان حكومة «العدالة والتنمية» تخطّت الفساد والفاسدين منهم هذه المرة. تسريب أمس يعتبر أخطر تسجيل صوتي في تركيا، لارتباطه بمسألة تخصّ الأمن القومي، وأمن الإقليم برمته، فيما تركيا على أعتاب انتخابات محلية قد تعيد رسم ملامحها الداخلية والخارجية.

وفي تسجيل بُثّ أمس عبر موقع «يوتيوب»، قال رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية التركية، حقان فيدان، «إننا لسنا في حاجة لأي حجج أو مبرّرات للتدخل العسكري في سوريا»، مضيفاً أنّه يستطيع أن يرسل «أربعة أشخاص يطلقون ثمانية صواريخ نحو الأراضي التركية، أو عناصر من الاستخبارات للقيام بعمل استفزازي ضد ضريح سليمان شاه (...)، ثم نقول إنّ «داعش» هي التي قامت بذلك، وبعدها يتدخل الجيش التركي».
وسليمان شاه هو جد مؤسس الدولة العثمانية، وضريحه موجود في ريف حلب، وهي أرض تركية تبلغ مساحتها نحو 8 آلاف متر مربع داخل الأراضي السورية (بعيدة نحو 25 كلم عن الحدود بين البلدين)، بموجب اتفاقية بين تركيا وفرنسا تعود إلى العام 1921. وهدّد تنظيم «داعش» بنسف الضريح قبل نحو 10 أيام، ما دفع حكام تركيا إلى التهديد بالدفاع عنه. ويدل ذِكر ضريح سليمان شاه في التسجيل على ان اجتماع المسؤولين الأتراك حديث جداً، وهو ربما ما أدى إلى غضب عارم لدى أردوغان ومجموعته اللصيقة.
أقوال فيدان، المقرب جداً من رئيس حكومته، جاءت خلال جلسة سرية مغلقة في مكتب وزير الخارجية احمد داوود أوغلو، في حضور وكيل الوزارة فريدون سينير لي أوغلو ونائب رئيس الأركان الفريق أول يشار جولار. وتضمّن الحوار إمكانات التدخل العسكري في سوريا، فأكّد وكيل الوزارة ونائب رئيس الأركان ضرورة أن تكون القرارات وفق القانون الدولي، حتى لا تجد أنقرة نفسها في وضع صعب. لكن داوود أوغلو وفيدان بقيا يبحثان في سيناريوهات التدخل، ولو من باب قتال «داعش»، واستخدام هذا التنظيم ذريعة للقول تارة انه «القاعدة»، وطوراً إنه «تابع للنظام السوري». ونقل وزير الخارجية عن اردوغان قوله إن استهداف «داعش» لضريح سليمان شاه ربما يكون فرصة لتركيا. كذلك تناول الحديث موضوع إقامة منطقة حظر جوي في الشمال السوري، اضافة الى تدابير عسكرية واستخبارية أخرى ضد سوريا، حيث قيل إنّ واشنطن عرقلت ذلك.
وجاء الحديث عن التسجيل في غمرة معارك ريف اللاذقية الشمالي، التي تزامنت مع اسقاط أنقرة لطائرة حربية سورية لم تخرق الأجواء التركية، حسب إفادة الطيار السوري. بالإضافة إلى اتهامات دمشق والمعارضة التركية لحكومة حزب العدالة والتنمية بـ«تجهيز» مسرح القتال لمسلحي المعارضة الذين تحركوا عبر الحدود التركية باسناد استخباري ولوجستي.
وأظهر التسجيل أيضاً حديثاً عن ضرورة دعم المعارضين السوريين «وخاصة بالذخائر». كما جرى الحديث عن استعداد قطر لدفع الاموال بهدف شراء الأسلحة والذخائر.
ووصف أردوغان تسريب التسجيل الصوتي بأنّه «مؤامرة خطيرة تمسّ الأمن القومي»، مشيراً إلى أنّه «عمل حقير ورخيص وسافل». وحمّل جماعة الداعية الاسلامي فتح الله غولن مسؤولية هذا العمل، قائلاً: «سأحاسب المسؤولين عنه مهما كلّف ذلك». كذلك اتهم وزير الدفاع عصمت يلماز مسرّبي التسجيل الصوتي بـ«الخونة»، واصفاً هذا العمل «بالجاسوسي البحت».
من جهته، استنكر وزير الخارجية احمد داوود أوغلو التسريب، وقال إنّه عمل خطير جداً. وأصدرت الخارجية بياناً استنكرت فيه التسريبات، ورأت أن ذلك خيانة وطنية تستهدف الأمن الوطني والقومي لتركيا.
وأشارت الأوساط الإعلامية إلى ان ردود فعل المسؤولين الأتراك اعتراف مباشر بصحة التسجيل، علماً أن أردوغان رفض دائماً التسجيلات السابقة الخاصة بقضايا الفساد، مشيراً إلى أنّها مفبركة. وقامت الحكومة بعد التسريب الصوتي فوراً بحجب موقع «يوتيوب» مع توقعات بإغلاق «فايسبوك» أيضاً، لمنع انتشار اي تسجيلات صوتية جديدة عشية الانتخابات المحلية الأحد المقبل.
في غضون ذلك، اتهم زعيم «حزب الشعب الجمهوري» المعارض كمال كيليجدار أوغلو أردوغان باختلاق الحجج والمبررات للعدوان على سوريا. ورأى أنّه «مسؤول عن كل الدماء الذي سالت على الأرض السورية»، مضيفاً أنّ أردوغان «قدّم كافة انواع الدعم العسكري المباشر وغير المباشر للجماعات الارهابية في سوريا». بدورها، توقعت أمينة تارهان، نائبة كيليجدار أوغلو، أن يحاكم أردوغان في المحاكم الدولية بسبب تورطه في سوريا على نحو خطير.