في خلفية تأجيل العدو الإسرائيلي ضم أراضٍ في الضفة المحتلة، أو تأخير إعلان ذلك، ثمة غياب لقرار أميركي واضح حول الضم شكلاً ومضموناً وتوقيتاً. والثابت أن العرقلة الأميركية واضحة جداً، وأدت إلى تأجيل بتّ القرار. حتى مغادرة الوفد الأميركي المفاوض تل أبيب والعودة إلى واشنطن، والوعد باستمرار المحادثات، لا تعنيان بالضرورة رحلة مكوكية لاستيضاح الموقف والعمل على إمكان تليينه، لأنه لا صلاحيات تفاوضية حاسمة لوفد يرأسه المستشار الخاص للمستشار الخاص للرئيس الأميركي... بل لا يبدو أن مهمته وتفويضه ذوا صلاحيات، بل كانت مهمته إبلاغ موقف الإدارة المانع، واستبيان مواقف الأطراف الإسرائيليين. وإن قيل إن المحادثات ستُستأنف في الأيام المقبلة بين الإسرائيليين والأميركيين، فإن الإعلان يثير أسئلة، ولا سيما أن إدارة دونالد ترامب في دائرة اهتمام ترتبط بملفات داخلية، ما لم يكن لما ورد في صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية أمس تأثير في توجهات ترامب واهتماماته، إذ يبدو أن الضم نفسه بات مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بموقف الإنجيليين من الانتخابات الأميركية. تقول الصحيفة إنهم «يضاعفون ضغوطهم على ترامب لدفع مخطط الضم قدماً»، ومنهم القيادي الإنجيلي مايك إيفانز، الذي نقلت عنه قوله: «تصويتنا هو الذي يحسم الانتخابات الرئاسية... وهو ضروري، ولا يمكن الحسم من دوننا. نحن مئة في المئة مع فرض السيادة (الإسرائيلية في الضفة). دعمنا لم يبدأ بترامب، بل مع الكتاب المقدس، فنحن نؤمن بأن الله قرر فرض السيادة قبل آلاف السنين، وهو ما بلّغ به أنبياء اليهود».في مواقف «ما بعد الفعل»، برزت أمس تسريبات مصدر أميركي رفيع المستوى إلى صحيفة «جيروزاليم بوست»، وهذه بإمكانها توضيح لما مضى أكثر، وأيضاً استشراف ما يأتي. يقول المصدر: «تتطلع الولايات المتحدة إلى استمرار المحادثات مع إسرائيل حول خطط تطبيق السيادة على 30% من الضفة. الأول من تموز لم يكن موعداً نهائياً لدى البيت الأبيض، كما لا نعتقد أنه لم يكن موعداً نهائياً لدى إسرائيل. سنواصل حوارنا مع شركائنا الإسرائيليين لتنفيذ رؤية السلام في الشرق الأوسط». كما وصف المصدر المحادثات بـ«الدقيقة جداً»، حتى وإن لم يتوصل الجانبان إلى قرارات حاسمة. فالحسم جاء باتجاه التأجيل، على أن يصار إلى بحث لاحق، لكن يتعذر من الآن تحديد نتيجته. في المحصلة، منع صاحب القرار الأميركي الضم في موعده. بل كان بإمكانه قبول ضم محدود ورمزي، وهو ما جرى التلميح إليه أميركياً في الأسبوعين الماضيين، لكن الضم الجزئي ــ الرمزي كان سيضر بموقف رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، أكثر من التأجيل. المعنى أن نتنياهو قرر رفض الضم الرمزي ليواصل محادثة الأميركيين والاستحصال على تصديقهم على ضم «دسم» يوظفه، إضافة إلى رؤيته المسيحانية في سلب الأرض الفلسطينية، في تجاذبات الساحة الداخلية.
ما يرد في الإعلام العبري يتوافق مع ذلك؛ فطبقاً للتقارير المنشورة أمس (صحيفة «معاريف»)، من المتوقع في الأسبوع المقبل أن تنسق تل أبيب وواشنطن قرارهما بشأن «أين ومتى تفرض إسرائيل سيادتها في الضفة، الأسبوع المقبل»، علماً بأن مروحة احتمالات ما زالت واردة تحت سقف الضم نفسه الذي بات من المتعذر إلغاء مساره بالمطلق. مع ذلك، يبقى الالتباس سيد الموقف، والمعطيات البارزة في الإعلام العبري في سياقات الضم ومخاضه تثير أسئلة من دون إجابات كاملة. ومن بينها أنه لم يرد إلى الخارجية الإسرائيلية عن خطة الضم شيء، بل هي خارج مداولاتها من ناحية فعلية، المقتصرة على نتنياهو والوفد الأميركي. حتى وزير الخارجية، غابي اشكنازي، قال أمس إنه لا يعرف ما هي خطة الضم وما ستكون عليه. اللافت أن «الخارجية» هي المسؤولة عن إعداد الخطط وتوزيع المهمات لتسويق الضم خارجياً باتجاه قبوله أو الحد من معارضته. وهذا المطلب مهم جداً لتل أبيب، إذ إن «التصديق» الأميركي لا يكفي وحده لمنع التبعات السلبية خارجياً، وهو ما على إسرائيل أن تحول دونه. كما قال نائب المدير العام للوزارة، نعوم كاتس، (صحيفة «هآرتس») أمس، إن مكتبه لا يعرف كيف يستعد لمسألة ضم لا يعرف عنها شيئاً، مضيفاً: «لا أعرف كيف أجيب عن أسئلة دولية ترد إلينا عن خطة الضم، خاصة أننا لا نعرف سيناريواتها».
تبيّن أن «الكابينت» لم يناقش خطة الضم بتعمّق حتى الآن


من جهة أخرى، لا يبدو أن المؤسسة الأمنية متحمّسة للضم، وإن كانت تعلن بين حين وآخر الجاهزية لمواجهة تبعات الضم، سواء في الضفة أم غزة، وكذلك خارجهما. «برودة» الجيش الإسرائيلي مردّها إلى جملة اعتبارات تتعلق بأنه لا أولوية للضم من ناحية أمنية، خاصة أنها تستنزف وتشغل الجيش عن تهديدات هي أعلى مستوى وأكثر إلحاحاً في الجبهة الشمالية الموسعة من بيروت إلى طهران وما بينهما. فالانشغال في موقف دفاعي في فلسطين المحتلة نفسها يقلص الجاهزية أمام الموقف الدفاعي ــ الهجومي في الشمال، وهو ما بات أكثر معقولية وترجيحاً بعد تهديدات المقاومة في غزة ورسائلها الصاروخية لأكثر من مئة كيلومتر باتجاه بحر غزة. أكثر من ذلك، يعمل الجيش، كما يقول، على تحقيق جاهزية لمواجهة خطة ضم لم يضعه مسؤولوه في المؤسسة السياسية في صورتها، حتى في عمومياتها، كما أنه ليس شريكاً في بلورتها، علماً بأن كلمته وتقديراتها كلمة فصل لا يمكن استبعادها. مع ذلك، نقلت إذاعة جيش الاحتلال عن وزير الاستخبارات، إيلي كوهين، قوله أمس، إن ضم المستوطنات لن يتم هذا الشهر، لافتاً إلى أن الفرصة الأخيرة لتنفيذ ذلك ستكون خلال أيلول/ سبتمبر المقبل. وقال كوهين: «الشرط الأميركي كان منذ البداية حول توقيت الضم الذي نص على عدم طرح المسألة للتصويت قبل الأول من يوليو، لكنه لم يكن يوماً مقدساً للضم الفعلي... نافذة الفرص المتعلقة بالضم ستغلق بعد سبتمبر مع ذهاب الولايات المتحدة نحو انتخابات رئاسية جديدة قد تطيح دونالد ترامب، الداعم الأكبر لضم المستوطنات».

«التصديق» الأميركي لا يكفي وحده لمنع التبعات السلبية خارجياً


كذلك، اتضح أن «المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية» (الكابينت) لم يناقش القضية بتعمق حتى الآن. ونقلت «هآرتس» عن رئيس قسم الاستخبارات في «مجلس الأمن القومي» الإسرائيلي، راني بيليد، أنه في الأيام المقبلة ستناقش مسألة الضم في الكابينت، معرباً عن أمله في أن تستهلك المسألة جلسة واحدة لا جلسات متعددة. ومن أهم ما قاله بيليد أن المؤسسة السياسية «لم تحسم أمرها بعد من الضم». وربما هذا هو الخبر اليقين الذي ورد أمس من تل أبيب. المحصلة أن ما قبل الأول من تموز/ يوليو هو تماماً كما بعده، والكل، بمن فيهم نتنياهو، رغم كل السجالات والمناكفات في إسرائيل، ينتظرون القرار الأميركي ليتحدد الضم شكلاً ومضموناً وتوقيتاً.