لا يُمكن في حال من الأحوال فصلُ المعارك التي استعرت في حلب، خلال اليومين الماضيين، عن تلك الدائرة في ريف اللاذقية. الجبهتان تشاطرتا ساعة صفرٍ واحدة، ويبدو أن عقاربها مضبوطةٌ على الإيقاع التركي. وعلاوةً على ذلك، فقد اتسمت تحركات المسلحين على الجبهتين بفاعلية استراتيجية، تُرجحُ وجود «إسناد لوجستي تركي»، يُكمل مشهد الإسناد الناري عبر الحدود التركية على «جبهة كسب». والذي وصل إلى ذروته مع إسقاط الدفاعات الجوية التركية طائرة عسكرية سورية.
ومثلما كان هجوم «الجهاديين» في ريف اللاذقية مُباغتاً، كان كذلك على «جبهة الجوّية» في حلب. (تطلق التسمية على محيط مبنى المخابرات الجوية، امتداداً نحو الليرمون، والكاستيللو، وصولاً إلى معارة الأرتيق وجبل شويحنة)، حيث استغلّ المهاجمون انهماك الجيش في معارك الشيخ نجار والنقارين، شرقي حلب.
معركة «الجوية»، انطلقت ليل الجمعة ــــ السبت، لتصل إلى ذروتها أمس. مع وصول إمدادات عسكرية للجيش الذي حرّك رتلاً من منطقة السفيرة، انخرط فوراً في المعارك الدائرة في منطقة الصالات الصناعية في الليرمون، وهي النقطة الأقرب إلى مبنى المخابرات الجوية.
وقال مصدر ميداني سوري لـ«الأخبار» إن «عناصر حماية الجوية تصدوا للهجوم الأول الذي كان عنيفاً، ثم آزرتهم وحدة من قوات الحرس الجمهوري؛ على رأسها اللواء سميح عباس الذي استشهد خلال المعركة». وأكد المصدر أن «الأمور ستعودُ إلى نصابها سريعاً. وقبل أن يوارى شهداؤنا في الثرى».
في المقابل، قال مصدر من «غرفة عمليات أهل الفتح» لـ«الأخبار» إن «المجاهدين يسطّرون الملاحم. وقد حرروا حتى الآن جبل شويحنة وبرج الحمام وتلة برج السيرياتل. ولن يرجع السيف إلى غمده حتى يكتمل الفتح». وتتولى «الغرفة» إدارة «المجاهدين في الريف الجنوبي»، وتنضوي في صفوفها «الجبهة الإسلامية»، «جبهة النصرة»، «تجمع أنصار الخلافة»، «كتائب ابن تيمية»، «حركة الفجر الإسلامية» و«الفرقة التاسعة في الجيش الحر». فيما تتولى «الغرفة المشتركة لأهل الشام» إدارة المعارك الدائرة في حلب. وهي «الغرفة» التي شكّلت نهاية الشهر الماضي، بتحالف بين «جبهة النصرة» و«الجبهة الإسلامية» و«جيش المجاهدين». (راجع «الأخبار»، العدد 2232). وقال مصدر من داخل «الغرفة» لـ«الأخبار» إن «الأوان قد حان لتحرير أحياء حلب الغربية، وسيكون فتحُ معقل الجوية بداية تحررها».
ويُشكل مبنى المخابرات الجوية الحائل الأساسي بين المجموعات المسلحة والأحياء الغربية في مدينة حلب. وهي الأحياء التي يُعتبر معظم سكانها في نظر المسلحين «شبيحة وعملاء للنظام»، وحكم هذه «التهمة» في عرف المسلحين «هدر الدم وإباحة المال». وكان هذا الأمر حافزاً أساسياً لمحاصرة مبنى «الجوية» شهوراً طويلة، تخللتها عشرات محاولات الاقتحام، من قبل «لواء أحرار سوريا» بقيادة «رائد التشويل الثوري أحمد عفش».
واللافت أن «عفش» كان متهماً من قبل المعارضين بأنه «عميل للمخابرات الجوية، يحمي المبنى بحجة محاصرته».
وقد انخرط في معركة مع تنظيم «داعش»، (الذي يقول المعارضون إنه أيضاً عميل للنظام). ما أدى إلى انسحاب قواته من الحصار، وأتاح لـ«جبهة النصرة» و«كتائب نور الدين زنكي» التابعة لـ«جيش المجاهدين» ملء الفراغ.
وبالتزامن مع هذه التطورات، أكّد مصدر سوري معارض لـ«الأخبار» أن «أسلحة نوعية وصلت إلى الثوار في حلب، من بينها مضادات طيران ودروع». في خطوةٍ «تهدف إلى تحييد الطيران السوري عن المعركة» وفقاً للمصدر المستقل.




مساعٍ لتحييد الطيران السوري؟

أسقطت الدفاعات الجوية التركية، أمس، طائرة حربية سورية. ونقل التلفزيون السوري عن مصدر عسكري تأكيده إسقاط «طائرة في منطقة كسب كانت تلاحق العصابات الإرهابية داخل الأراضي السورية»، موضحاً أن «الطيار تمكن من الهبوط بالمظلة». ونقلت وكالة «فرانس برس» عن «المرصد السوري لحقوق الإنسان» المعارض قوله إن «الطائرة كانت تشارك في المعارك ضد مقاتلي المعارضة الذين يحاولون السيطرة على معبر حدودي في ريف اللاذقية». ولاحقاً، أكد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان النبأ، قائلاً إن «الطائرة السورية اخترقت الأجواء التركية، فاعترضتها مقاتلة من طراز أف 16. لماذا؟ لأنك إذا اخترقت المجال الجوي التركي فالرد سيكون قاسياً».
بدوره، هنأ الرئيس التركي عبد الله غول، في اتصال هاتفي، رئيس أركان الجيش التركي بإسقاط الطائرة السورية، مؤكداً أن هذه الخطوة تعكس عزيمة تركيا وتصميمها على حماية حدودها.
في المقابل، قال نائب رئيس «حزب الشعب الجمهوري» المعارض، هالوك قوج، إنّ الشعبين التركي والسوري إخوة، مشدداً على أن الشعب التركي لا يريد الدخول في الاشتباكات التي تشهدها سوريا، منتقداً الحكومة حول إثارة مواضيع قبيل الانتخابات المحلية المزمع إجراؤها في 30 من الشهر الجاري.
من جهتها، اتهمت وزارة الخارجية السورية الحكومة التركية بـ«القيام بعدوان عسكري غير مسبوق ولا مبرر له على الإطلاق ضد سيادة الجمهورية العربية السورية وحرمة أراضيها في منطقة كسب الحدودية». وأضافت، في بيان إنّ «هذا العدوان تمثّل بقصف بالدبابات والمدفعية على الأراضي السورية لتأمين التغطية لدخول العصابات الإرهابية المسلحة من الأراضي التركية إلى داخل سوريا».