بيروت - شهناز أسود «ماذا؟ لم أفهم جيداً»، اقتربت ليلى أكثر من ضابط الأمن العام اللبناني في المطار، لتفاجأ بأنه يعيد عليها الجملة ذاتها. «يا حاجة، أنت فلسطينية وعليك الوقوف في صف الأجانب»، ويشير بإصبعه بشكل حاسم إلى مكان الأجانب. تتراجع ليلى، وتأخذ الاستمارة المخصصة للأجانب، التي أيضاً عليها أن تعبئها، وتتمتم «ولدت في هذا البلد، وعشت عمري هنا، الآن علي أن أصطف مع الأجانب وأنا عائدة إلى منزلي؟!

غريب هذا البلد، غريب هذا البلد». لم تعتد ليلى السفر كثيراً، فهي لم تبرح لبنان منذ نحو خمسين عاماً. لكنها غادرت مرة واحدة اإلى الولايات المتحدة، لزيارة ابنتها الحامل، والاطمئنان على صحتها. الغريب أنها في مطار نيويورك، سارت جنباً إلى جنب مع الأميركيين، والغريب، أن جواز سفرها كلاجئة فلسطينية، استُقبل بابتسامة، من موظف الجوازات في مطار نيويورك، تراجع هذه الأفكار، وهي مازالت تعبئ استمارة الأجانب في مطار لبنان، تستذكر مشهد «الزنوج، والعرق الأصفر والأبيض، كلهم في مطار نيويورك، يتلقون معاملة واحدة، حتى أنا السيدة المحجبة في الغرب، استُقبلت بحفاوة أينما ذهبت». تخرج ليلى، من المطار، وهي في طريقها إلى منزلها، تراجع، سني عمرها في «بلد اللجوء» لبنان، تواسي نفسها، «ما علينا، لن أغضب، فهذا غيض من فيض». يذكر الفلسطينيون جيداً، عام 1995، كيف كان الفلسطيني يُمنع من الدخول أو العودة إلى لبنان إلا بموجب تأشيرة الخروج والعودة، وما ترتب على ذلك من خسائر مادية، خصوصاً للفلسطينيين العاملين في الخليج العربي، الذين كانوا يحضرون إلى لبنان في إجازات أكثر من مرة في العام الواحد. تأشيرة الخروج والعودة أُلغيت عام 1999، باستلام رئيس الوزراء الأسبق سليم الحص. فرح اللاجئون الفلسطينيون كثيراً يومها، لكن سرعان ما حلّت الكارثة عام 2001 عندما أصدر مجلس النواب اللبناني، قراراً بمنع التملك، حُرِم بموجبه الفلسطينيون في لبنان من شراء منزل، أو تسجيله، أو حتى توريثه. الفلسطينيون حتى هذه اللحظة، لا يستطيعون تملك منزل أو توريثه، خطوة لم تستفز الحقوقيين في هذا البلد، ولا حتى رجال الدين من أي طائفة كانت. ليلى اللاجئة الفلسطينية، التي خرجت إلى العالم، لترى كيف يعمل اللبنانيون، والسوريون والفلسطينيون وغيرهم في الولايات المتحدة دون قيود، يتملكون دون قيود ويعيشون دون قيود، استغربت كيف منع ولدها الطبيب من العمل في لبنان، وهو يزاول هذه المهنة بحرية في الولايات المتحدة، دولة الاحتلال والإرهاب.


الحق يُقال


بيروت – إيمان بشير
«الفلسطينيون حتى هذه اللحظة، لا يستطيعون تملك منزل أو توريثه، خطوة لم تستفز الحقوقيين في هذا البلد»، جملة استفزتني في رسالتك عزيزتي! فهي إجحاف في حق العديد من الحقوقيين في هذا البلد، لبنانيين كانوا أو فلسطينيين! وإن كان معظم ما ورد في رسالتك حقيقة بشعة لواقعنا في لبنان، إنما عليك أيضاً أن تتابعي ما يحدث على مستوى المؤسسات الحقوقية التي تتابع قضايانا هنا، وعليه، دعيني أقدم لكِ نموذجين من هذه النماذج العديدة لعلها تغيّر وجهة نظرك. في عام 2010، اجتمع ما يفوق 50 مؤسسة وعدد من الأحزاب اللبنانية والفلسطينية تحت عنوان «مسيرة الحقوق المدنية والاجتماعية» للمطالبة بحق الفلسطينيين بالتملك، بالعمل وبالحقوق المدنية. استمر عمل هؤلاء سنة كاملة ليخرجوا أخيراً بمقترح قانون يحثّ مجلس الوزراء اللبناني على الاعتراف بالحقوق أعلاه، ليس هذا فحسب، بل استطاعوا حشد 6000 فلسطيني ولبناني، ليسيروا معاً جنباً إلى جنب من المدينة الرياضية في بيروت وصولاً إلى السرايا الحكومي وسط المدينة حاملين شعاراً واحداً «حقي عيش بكرامة» وكان ذلك في شهر حزيزان عام 2010. أما «المفكرة القانونية» بإدارة المحامي نزار صاغية، فهي النموذج الثاني المتمثل بنخبة من الحقوقيين اللبنانيين الذين يعملون على جملة من القضايا العامة المحقة. بدأت المفكرة القانونية عملها عام 2011، كانت أولى دراساتها التي نُشرت على موقعها الإلكتروني بعنوان «حقوق اللاجئين في لبنان أمام المجتمع الدولي: هل يتحول الاستعراض الشامل مراجعة للذات؟»، أعتقد أن عنوان الدراسة وحده كفيلٌ بمعرفة ما تتضمنه! لم تكن هذه الدراسة وحيدة في رصيد المفكرة، بل عملت أيضاً على مواضيع حساسة كموضوع إعادة إعمار مخيم نهر البارد، وحق الملكية العقارية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، وتأسيس الجمعيات الفلسطينية وغيرها من المواضيع تحت مجهر المراجعة القانونية البحتة!
علينا يا عزيزتي أن نكون منصفين، فهناك من هو حريص على حقوق الفلسطينيين في لبنان، وإن أردتِ البحث عنهم، فستجدين العديد منهم وستفاجئين بتجاربهم المذهلة.