ابتلانا الله كفلسطينيين بمصائب عدة، ونحن في ذلك كما غيرنا من خلق الله. فالمؤمنون يقولون دائماً إن المصيبة هي اختبار الله لصبر الإنسان وصلاحه، وإن الله في النهاية سيجازي الصابرين إذا صبروا. ومن مصائبنا كفلسطينيين احتلال أرضنا، تشتتنا في دول العالم، سرقة خيراتنا وبيوتنا وذكرياتنا وتهشيم أواصر عائلاتنا، كما الموت المستمر بسبب الحروب المتفرقة التي شنت وتشن ضدنا، أكان ذلك في فلسطين المحتلة أم في الشتات. لكن، كل هذه المصائب تهون أمام أسوأ كارثتين أصابتانا على الإطلاق. مصيبتان «ما بينبلعوا» كما يقال، ولا يمكن التغاضي عنهما. مصيبتان في موقع السلطة، تتحكمان برقابنا هما: رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس من جهة، والقيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان من جهة ثانية.

الأول، مصيبة ناطقة متنقلة، لا يفعل شيئاً سوى الانحناء أمام العدو الإسرائيلي. يلقب بالثابت على الثوابت. الثوابت المقصودة هنا هي التي أرساها الشهيد ياسر عرفات واستشهد لأجلها. وهي: عدم التنازل عن القدس وأراضي الـ 67 والتأكيد على حق العودة. لكن الأكيد، بالتجربة المرّة، أن أبو مازن غير ثابت على شيء، اللهم إلا على كرسيه. فمثلاً بالنسبة للاجئين، أبدى «الرئيس» تفهمه أمام طلاب إسرائيليين، كانوا في ضيافته، لتخوفهم من عودة المشتتين الفلسطينيين! فهو لا يريد إغراق إسرائيل بالعائدين كما قال. حتى إنه موافق على زيارة مسقط رأسه مدينة صفد المحتلة، كسائح وليس كعائد.
أما بالنسبة لدحلان، فهو أسوأ من عباس. تآمر الرجل مع وزير حرب شارون، شاؤول موفاز، ضد أبو عمار. فقد قال دحلان لموفاز عام 2001 إن الزمن لم يعد كما هو بالنسبة لأبو عمار، وإن عرفات لا يستطيع تقويض سلطة أبو مازن الذي كان رئيس حكومته حينها. عباس ودحلان في تلك الفترة كانا رأس الحربة ضد ياسر عرفات، عندما حاصرته القوات الإسرائيلية الحصار الشهير في المقاطعة برام الله. في آخر أيامه، قال أبو عمار لأبو مازن «انت قرضاي فلسطين». وقرضاي هو الرئيس الصوري الذي جاء به الأميركيون بعد احتلال أفغانستان لترؤسها، دمية تنفذ ما يأمر به الأسياد. وأبو مازن جاء به الأميركيون كرئيس حكومة السلطة لإضعاف أبو عمار بعد أحداث 11 أيلول. دحلان كما هو معروف عنه سعى إلى إضعاف أبو عمار، فقال له عرفات يومها جملته الشهيرة «يا دحلان قاتل أبيه لا يرثه».
بعد استشهاد عرفات، اختلف رجلا السلطة طبعاً على السلطة. تخاصم دحلان وعباس، هكذا، فصل أبو مازن، أبو فادي من فتح. ردّ دحلان بالسعي إلى السيطرة من خلال المال الإماراتي على المخيمات في لبنان. اليوم يعمل الرجلان على «شرشحة» أحدهما الآخر. ونشر الغسيل بينهما يتم علانية. اتهم أبو مازن دحلان بقتل القيادي صلاح شحادة، واتهم دحلان أبو مازن بسرقة مال السلطة. يعني لو صدقا (لمرة) لكان الأول مجرماً والثاني لصاً. الرجلان وحشان كاسران غير مهتمين أصلاً بالشعب الفلسطيني إلا كوسيلة للسلطة. ونحن كشعب لا نفعل شيئاً سوى مشاهدتهما «يبهدلان» أحدهما الآخر. الخلاف بينهما واضح، فهو يكشف زيفهما للرأي العام، ولو أن هذا الأخير ليس بحاجة إلى إثبات «وشهد شاهد من أهله». لكن، تبقى المصيبة مصيبتنا. فبعدما كنا نعيش في زمن: أبو عمار، أبو جهاد، أبو إياد وأبو الوليد صايل، تصوّروا! أصبحنا في زمن قرضاي فلسطين وقاتل أبيه، والأنكى علينا أن نختار بينهما!