غزّة | يبدو أن مرحلة «اللعب مع الكبار» قد بدأت خطواتها بالسير على أرض الواقع، خاصة بعد تراشق التهم إعلامياً بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ومحمد دحلان. في قطاع غزّة، وجد الفتحاويون أنفسهم أمام موقفين صعبين أحلاهما مرّ، يدعمون رئيس حركتهم أم يقفون إلى جانب دحلان؟ بعض الفتحاويين فضّلوا الصمت أمام وسائل الإعلام انتظاراً لنتائج «معركة المناصب الحامية، كي يعرفوا على أي أرض ينبغي عليهم الوقوف، فلا تهتز من تحتهم في حال لم يعجبوا الرابح الأكبر، فيصبّ عليهم جام غضبه ويطردهم من «مملكته»».
في ظاهر الأمر، يبدي فتحاويو غزّة (خاصة القادة) وقوفهم خلف رئيسهم عباس، وذلك خوفاً من تلقّيهم مصير أتباع دحلان، فتقطع رواتبهم ويجدوا أنفسهم غير قادرين على إعالة أنفسهم وعوائلهم، ولكن ما ان يندسوا في غرف مغلقة تطمئن فيها صدورهم حتى تتغيّر نبرات أصواتهم وتتبدّل أقوالهم، ويذهب بعضهم إلى تحميل كلّ من «عباس ودحلان» مسؤولية تدهور الوضع الحركي لـ«فتح»، بتسليمهما قطاع غزّة لحركة حماس، التي بدورها دمّرت ما تبقى لدى الغزّيين من آمال، حسب قولهم. «ما باليد حيلة، لننتظر إلى أين ستتحرك الأمور»، يقولون. «لن نكون كبش الفداء الذي يقدم في هذه المرحلة التي هي الأصعب بالنسبة إلينا كحركة لاقت من التراجع على الصعيد التنظيمي والشعبي ما لاقته بسبب الاثنين»، يقول أحد قادة «فتح» في غزّة، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه لـ«الأخبار».
ولا تختلف حال «عناصر فتح» كثيراً عن قادتهم، فانقسموا على أنفسهم بين تياري أبو مازن ودحلان، وثالث «يسبّ الاثنين معاً»، فكانوا أكثر وضوحاً «لأن قيادتهم في واد وهم في واد آخر». المقرّبون من عباس يطالبون بإخضاع محمد دحلان لمحاكمة علنية أمام الشعب على ما اقترفته يداه من جرائم داخلية بحق الشعب الفلسطيني، وبحق معارضيه تحديداً، ووقوفه خلف اغتيال رئيسهم الراحل ياسر عرفات.
الفتحاوي صلاح أبو مهادي قال لـ«الأخبار»: «دحلان يعلم جيداً أنه مجرم وأنه عار على فتح، فهو لم يكن شيئاً في الماضي والآن أصبح له نفوذ ليس بالهيّن. فكيف أتى له كل ذلك لولا تواطؤه مع الإسرائيليين والأميركان، وجميعنا يعلم بأن أميركا وإسرائيل لا ترضيان إلا على عملائهما المقربين منهما فقط؟».
ويضيف: «وصل دحلان إلى منصبه من جاسوسيّته لمصلحة الكيان الصهيوني. فهو الرجل الأول والمدلل لإسرائيل»، متسائلاً عن سبب بقائه بهذه القوة إلى هذا اليوم رغم تغير كافة الظروف والأحوال التي طالت كل الشعب الفلسطيني، وهو يزداد قوة ونفوذاً. فهو ابن أميركا فعلاً».
ومما لا شك فيه أن وضع «فتح» الداخلي في غزّة متدهور جداً وتراجعت نشاطاتها التنظيمية لعدة أسباب، منها ما يتعلق بحظر «حماس» لهذه النشاطات، وأخرى تتعلق بغياب الكادر الفتحاوي القادر على اتخاذ القرار وتنفيذه، حتى وإن لم تعطَ أوامر من القيادة العليا، وهو ما يجعل «الدحلانيين» يرغبون في انتصاره في معركته ضد عباس، حتى وإن اضطر إلى إنجاز مصالحة مع «عدوّته اللدود» حماس.
ويقول أبو زايد: «نحن نريد دحلان، فهو ابن غزّة ويخاف على أبناء الحركة هنا. لن يتركنا كما فعل أبو مازن وسلمنا لواقع لا نعرف نهايته، وهو قادر على تجديد الدم الفتحاوي وإحيائه بعد اعتقادنا بأن «فتح» انتهت مع ابتعاد السلطة عن غزّة وانحصارها في رام الله».
ويتمنى أبو زايد أن تتم المصالحة بين «حماس» ودحلان ليس من باب الحب والتفاهم، ولكن لأن مصالح الاثنين تجبرهما على ذلك؛ فـ«حماس» بحاجة إلى الدعم المالي الذي يستطيع أن يوفره لها دحلان من خلال علاقاته مع الدول العربية والأجنبية، ودحلان بحاجة إلى قاعدة جماهيرية يستطيع فتحاويو غزّة أن يوفروها له، فيعود قائداً مرحّباً به ينعش القطاع اقتصادياً ويكوّن جيشاً خاصاً به من أتباعه، في حين يتابع التيار الثالث في الحركة ما يجري على الساحة الفتحاوية بحسرة وصدمة لم يتوقعوها في يوم ما، وراحوا يطالبون باستقالة كلّ من عباس ودحلان وتقديمهما إلى المحاكمة أمام الشعب بأكمله أو أن يعودا إلى رشديهما وشعبهما، فهما بذلك يجران الحركة والشعب بأكمله إلى الهاوية.
إبراهيم لافي، المحسوب على التيار الثالث، شدد في حديث إلى «الأخبار» على أن «ما يجري يحتّم على كل أبناء «فتح» الشرفاء عدم السكوت أمام هذه المهزلة التاريخية، وأن ينقذوا تاريخ الحركة النضالي العريق من الضياع في أتون خلافات شخصية واقتتال على مناصب لا محال ستنتهي يوماً ما». وأضاف لافي إن «عباس ودحلان وجهان لعملة واحدة، فهما خائنان وفاسدان ودمرا حركتنا العريقة التي بناها رئيسنا الراحل ياسر عرفات، فهما لا يمثلان «فتح» الشريفة».
واستبعد لافي قدرة الحركة على الفوز في أي انتخابات تشريعية أو رئاسية في حال جرت، لافتاً إلى أن نصيب الأسد سيكون لـ«حماس» التي يتماسك عناصرها يوماً بعد يوم، مشيراً إلى أنه أول من سينتخب «حماس»، ليس حباً بها بل كرهاً بفساد «فتح» الذي لا ينتهي، على حدّ تعبيره.
وكانت اشتباكات بالأيدي اندلعت بين عناصر تابعين لعباس وآخرين تابعين لدحلان في جامعة الأزهر، ما استدعى تدخل الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة «حماس» لفضّها ومنع تطورها، من دون أن تعتقل أحداً.