سيطرت القوات التابعة لحكومة "الوفاق الوطني" الليبية، اليوم، على قاعدة "الوطية" الجوية في غربي البلاد، بدعم عسكري تركي لافت.وقال رئيس حكومة "الوفاق" فائز السراج، في بيان صحافي: "نعلن بكل فخر واعتزاز تحرير قاعدة الوطية العسكرية من قبضة الميليشيات والمرتزقة والإرهابيين (في إشارة إلى قوات خليفة حفتر) لتنضم إلى المدن المحررة في الساحل الغربي".
وأضاف السراج أن "انتصار اليوم لا يمثل نهاية المعركة، بل يقرّبنا أكثر من أي وقت مضى من يوم النصر الكبير، بتحرير كل المدن والقضاء نهائياً على مشروع الهيمنة والاستبداد الذي يهدد آمال الليبيين وتطلعهم إلى بناء دولتهم المدنية والديمقراطية".
ورغم انسحاب قوات حفتر من القاعدة الاستراتيجية (تبعد 140 كيلومتراً عن طرابلس، إلى الجنوب الغربي)، لم يصدر أي بيان رسمي عنها حتى ساعة إعداد هذا التقرير.
وتأتي السيطرة على القاعدة بعد أسابيع قليلة على دخول قوات "الوفاق" ست مدن، بينها اثنتان استراتيجيتان (صرمان وصبراتة) غربي طرابلس.

أنقرة على خط التماس
منذ الشهر الماضي، بدأت القوات التركية بتنفيذ حملة قصف جوي مركّز على مواقع "الجيش الوطني الليبي" الذي يقوده خليفة حفتر، في غرب العاصمة طرابلس.
وركّزت القوات التركية على استخدام الطائرات من دون طيار، في استهداف مواقع وتجهيزات قوات حفتر؛ وكان لقاعدة الوطية وخطوط إمدادها، نصيبها من تلك الغارات، التي وصلت إلى أكثر من 100 غارة خلال المعارك الأخيرة، وفق إحصاءات تركية غير رسمية.
وبعد إعلان السراج السيطرة على القاعدة، اتصل هاتفياً بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لبحث التطورات الميدانية من جهة، والتخطيط لزيارة قريبة إلى تركيا، لبحث تفعيل الاتفاقية المشتركة الخاصة بالنفط والغاز في البحر المتوسط، من جهة ثانية.
وأفرد الإعلام التركي مساحة واسعة لتغطية تطورات المعارك في الوطية، محاولاً تفنيد التقارير التي كشفت نقل أنقرة مقاتلين سوريين إلى خطوط التماس في ليبيا، ضد قوات حفتر، برغم الدلائل الكثيرة التي أكدت ذلك ووثّقته.

حسابات إقليمية - دولية
عقب اتصال أردوغان والسراج، تحدث الرئيس التركي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، من دون الإعلان مباشرة عن فحوى الاتصال. إلا أن التعاون التركي ــ الروسي في الملف الليبي، يؤشر إلى أن ليبيا أخذت حيزاً واسعاً من البحث، اليوم؛ خاصة مع انتشار صور لأنظمة دفاع جوي روسية الصنع، تركتها قوات حفتر خلفها داخل القاعدة، وفق الإعلام التركي.
وأعلنت حكومة "الوفاق" قبل يومين تدمير منظومتي دفاع جوي داخل القاعدة، وهو أمر نفته قوات حفتر. وأظهرت صور وتسجيلات من داخل القاعدة اليوم، وحدة من منظومة الدفاع الجوي "بانتسر"، قيل على لسان مقاتلي "الوفاق" إنها وصلت إلى يد حفتر عبر الإمارات.
وكان لافتاً أن التصعيد التركي الأخير لم يحظ باستنكار دولي، ولا سيما من موسكو، شريكة أنقرة في الملفين السوري والليبي. ويعكس الصمت الروسي قبولاً لدى الكرملين، للدور التركي الأخير الذي عزّز نقاط "الوفاق" على حساب "الجيش الوطني".
ويتكامل ذلك مع بروز خلافات بين حفتر وموسكو، منذ محادثات الهدنة الأخيرة، وصولاً إلى استنكار وزارة الخارجية الروسية إعلان قائد "الجيش الوطني" إسقاط "اتفاق الصخيرات".
وتكاملاً مع الساحة السورية، ترى أوساط سياسية أن تراجع الجانب الروسي عن دعم حفتر، خطوة إلى الوراء، مردّه إلى تجاذبات العلاقة مع الإمارات، الداعم الأول لحفتر إقليمياً. وفي ليبيا تحديداً، كان رفض حفتر للتهدئة، خياراً إماراتياً لا روسياً، وهو ما فسّر غياب البيانات الروسية المدينة لنشاط الطائرات التركية الكبير في السماء الليبية.

خيارات الميدان
بعد استعادة "الوفاق" بدعم تركي مدنَ الساحل الغربي وصولاً إلى الحدود التونسية، وعقب سيطرتها على قاعدة الوطية، بات "الجيش الوطني" يحتفظ بمدينة ترهونة، حصناً شبه وحيد على أعتاب طرابلس.
ولا يزال "الجيش الوطني" يسيطر على مناطق في الجبل الغربي، في محيط معسكر تيجي، ويستطيع انطلاقاً منها، إن توفرت الإرادة العسكرية والسياسية، تفعيل هجوم مضاد باتجاه قاعدة "الوطية" التي تشكل ركيزة أساسية للتحرك نحو الساحل الغربي.
أما جانب "الوفاق"، وبرغم تعهّده في البيان الأخير "تحرير كامل المناطق"، فإن تركيزه يرجح أن ينصب على ترهونة، التي تشكل خطراً مباشراً على أمن العاصمة طرابلس.
وسيكون تأمين العاصمة، محور اهتمام أنقرة، راعية "الوفاق" وعرّابة تقدمها الميداني الأخير. غير أن الجانب التركي، وبموجب التوازنات مع قوى أخرى شريكة أو منافسة، وخاصة روسيا، لن يقدم على خطوات تغيّر خريطة السيطرة بشكل حاد، بل سيكتفي بتأمين موقع "الوفاق" في العاصمة والغرب، لحجز مكان وازن على طاولة التفاوض السياسية.

أسلحة ألمانية
تزامناً مع تطورات الميدان، انشغل متابعو الملف الليبي بتقرير يكشف أن برلين، وبرغم التزامها بوقف تهريب السلاح إلى ليبيا، صدّرت أسلحة بنحو 330 مليون يورو، إلى دول متهمة بالتدخل في الحرب الليبية، منذ نحو أربعة أشهر.
ووفقاً لتقرير صادر عن وزارة الاقتصاد الألمانية، تحدّثت عنه وكالة الأنباء الألمانية، فإن ألمانيا وافقت في الفترة ما بين 20 كانون الثاني و3 أيار، على صفقات بقيمة 308.2 ملايين يورو من الأسلحة الموجّهة إلى مصر وحدها.
وذكر التقرير أن الحكومة الألمانية وافقت أيضاً على 15.1 مليون يورو من صادرات الأسلحة إلى تركيا و7.7 ملايين يورو إلى الإمارات العربية المتحدة.
وفي كانون الثاني الماضي، استضافت ألمانيا قمة لزعماء الدول التي أرسلت دولهم أسلحة أو جنوداً إلى ليبيا. وفي الإعلان الختامي للقمة، وافقت 16 دولة ومنظمة دولية على حظر الأسلحة المفروض على ليبيا.
وكانت مصر وتركيا وروسيا والإمارات من بين الدول الموقّعة. واتهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في وقت لاحق، البلدان الأربعة بخرق الحصار والاستمرار في تأمين الأسلحة للصراع.