حاولت الحكومة التونسية السيطرة على الأمور والحيلولة دون حدوث انفجار شعبي جديد، حين أعلنت أمس عن حزمة من القرارات لمصلحة محافظة القصرين (غرب تونس) والمحافظات المحاذية المعنية بـ"التمييز الإيجابي"، وفقاً لما جاء في بيان جلسة وزارية ترأسها وزير المالية التونسي سليم شاكر عوضاً عن رئيس الحكومة الحبيب الصيد الذي شارك في منتدى دافوس في سويسرا.
وعاشت محافظة القصرين طوال أربعة ايام على وقع احتجاجات واسعة شارك فيها عشرات الشبان العاطلين من العمل، وذلك بعد انتحار شاب عقب حذف اسمه من قائمة أعدتها السلطات المحلية لتوظيف الشباب العاطل من العمل في مشهد يذكر بانطلاقة الثورة التونسية في كانون الثاني 2011.
وامتدت الاحتجاجات إلى مناطق متعددة من القصرين، وقام العشرات من الشبان بحرق الإطارات لقطع الطرق وإلقاء الحجارة على قوات الأمن التي لجأت لتفريق المحتجين باستعمال الغاز المسيل للدموع والهراوات.
واتخذت الحكومة التونسية عدداً من الاجراءات العاجلة التي تهتم بالجانب الاجتماعي لسكان محافظة القصرين والمحافظات الواقعة على الحدود بين تونس والجزائر ومن أبرزها توظيف 5000 عاطل من العمل مع إعطاء الأولوية لأصحاب الشهادات العليا وانتداب 1400 عامل في أشغال تابعة للدولة. كذلك تكفلت وزارة التشغيل بالمساعدة في إنشاء 500 مشروع صغير ممول من بنك حكومي بكلفة إجمالية تصل إلى 10 ملايين دينار.
وتعهدت الحكومة بتحويل صبغة الأراضي المشتركة إلى أراضٍ خاصة لتسهيل استغلالها في الزراعة، ووعدت شبان هذه المناطق بتدريبهم وتكوينهم لكي تشركهم في مشاريع البنية التحتية المخصصة لمحافظاتهم، هذا إلى جانب توفير 1000 مسكن للعائلات الفقيرة.
وقد علّق المتحدث الرسمي باسم الحكومة التونسية، خالد شوكات، في حديث إلى "الأخبار" على أحداث القصرين، مؤكداً أن "الحكومة تحترم حقوق الشبان المحتجين في التعبير عن مواقفهم بطريقة سلمية في كنف القانون والحفاظ على سلامة الممتلكات العامة والخاصة ولم تكن فيها نزعة تخريبية".
وأشار شوكات إلى أن الحكومة اتخذت إجراءات خصوصية عاجلة تتعلق أساساً بالجانب الاجتماعي عبر توسيع قوائم التوظيف للفئات المهمشة وانتداب الشباب الذين ينتسبون إلى عائلات فقيرة، مضيفاً أنه "جرى تكليف خلية لمتابعة تنفيذ الإجراءات الخاصة بهذه المحافظة". وتعد محافظة القصرين إحدى أفقر المناطق في تونس، وقد شهدت مراراً منذ "ثورة 2011" احتجاجات عادةً ما تتحول إلى مواجهات مع الشرطة.
رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي أرجع هذه الاحتجاجات إلى الوضعية الصعبة التي ورثتها هذه الحكومة والتي تضمنت 700 ألف عاطل من العمل، من بينهم 250 ألفاً من أصحاب الشهادات العلمية، معتبراً أن الاحتجاجات في ولاية القصرين وجهات عدة هي مشروعة ويكفلها الدستور وتحترمها الحكومة.
أحداث القصرين مثلت مادة دسمة للأحزاب ومنظمات المجتمع المدني التي تفاعلت معها عبر إصدار البلاغات والبيانات الرسمية، حيث ساند الناشط السياسي المقرب من "حركة النهضة" رضوان المصمودي البرلمان والحكومة ورئيس الجمهورية ضد ما سماها "عمليات التخريب في القصرين"، معتبراً "أن من يقوم بهذا هم مندسون ينتمون إلى جهات مشبوهة".
ورجح المصمودي أن تكون هذه الاحتجاجات "محاولة للانقلاب على الديموقراطية لخدمة مشروع "داعش" ومشروع أعداء تونس وأعداء الديمقراطيّة في الداخل والخارج" بحسب رأيه.
إلا أن موقف النائب عن حركة النهضة وليد البناني الذي يمثل هذه المحافظة يختلف تماماً عن موقف زميله في الحزب، إذ هدد بالاعتصام مع أبناء القصرين داخل مقر المحافظة لتحقيق المطالب، وذلك في صورة عدم تحرك السلطة التونسية بجدية. واعتبر البناني أن الوضع في القصرين ينذر بعواقب وخيمة إذا لم يتحمل البرلمان والحكومة مسؤوليتهما.
وحمّل حزب "تونس الإرادة" الذي يتزعمه رئيس الجمهورية السابق، منصف المرزوقي، الائتلاف الحاكم "مسؤوليته أمام الوعود التي قدمها إبان الانتخابات"، ويعتبر أن سياساته "اتجهت لحد الآن وجهة خاطئة ومعاكسة لتطلعات الفئات الضعيفة والجهات المهمشة".
واعتبر في بيان أصدره حول أحداث القصرين "أن الائتلاف الحاكم الحالي وحكومته المشلولة مسؤولان عن استشراء الأزمة وتعميقها، في ظل الأولويات المعكوسة لديه والتعيينات الفاسدة".
ولم تكتفِ الأحزاب بالتفاعل مع مطالب المحتجين، بل سجل "اتحاد الشغل" (المنظمة النقابية الأكبر في تونس) موقفه من الأحداث، حيث اعتبر الأمين العام للاتحاد حسين العباسي أن ما يحدث في المناطق الداخلية هذه الأيام هو نتيجة منتظرة بعد خمس سنوات من الثورة من دون التقدم في ملفات التشغيل والتنمية، مشدداً على ضرورة مراجعة الملفات الكبرى.
وسبق للعباسي أن حذر من أزمة سياسية محتملة قد تندلع خلال الفترة المقبلة، داعياً إلى الترفّع عن المصالح الحزبية الضيقة من أجل استكمال المسار الديمقراطي الانتقالي. وشدد على أهمية دور الاتحاد "في إنجاح هذا المسار" باعتباره القوة المدنية والاجتماعية الأولى في تونس.