حفّز انتشار فيروس «كورونا» الدول المنخرطة في النزاع السوري، على خوض معركة مبكرة حول «آلية المساعدة عبر الحدود» الأممية، والتي يفترض أن ينتهي تفويضها الأممي في العاشر من تموز المقبل.وشهد الصراع حول تفاصيل التفويض، جولة عنيفة مطلع العام الجاري، انتهت بحلّ وسيط، تضمّن تحييد معبري الرمثا (مع الأردن) واليعربية (مع العراق) من قائمة المعابر التي يسمح للأمم المتحدة إدخال مساعدات أممية عبرها. وجاء إسقاط المعبرين بعد إصرار موسكو على ذلك، في موازاة فشلها في إقناع مجلس الأمن بتفعيل معبر بديل لشمال شرقي سوريا، عبر رأس العين، التي احتلتها تركيا.
بمعزل عن الحجج الإنسانية التي ساقها كل طرف، لدعم مقاربته، فإن التنازع على «حُكم المعابر» تحرّكه مصالح جيوسياسية مركّبة؛ فموسكو مثلاً، جهدت لتحويل نقطة العبور في الشمال الشرقي من يد «قوات سوريا الديمقراطية» (اليعربية) إلى يد «شريكتها» أنقرة (رأس العين)، برغم سخونة الميدان بين حلفائهما في إدلب.

اليعربية مجدّداً
اليوم، عاد الحديث عن ضرورة إعادة فتح معبر اليعربية في أقصى شمال شرقي سوريا، إلى الواجهة، من بوابة الحرب ضد «كورونا». وتوازياً مع تحضيرات الكواليس لخوض هذه الجولة، برزت مسودة رسالة من منظمة الصحة العالمية إلى مجلس الأمن الدولي، تطالب فيها باسم منظمات الإغاثة، بالسماح باستخدام معبر اليعربية لإدخال مساعدات بشكل عاجل لمكافحة «كورونا».
المسودّة التي كانت يمكن تحميلها رسالة سياسية، تغيّرت إلى نسخة محدّثة الثلاثاء الماضي، حذفت منها المناشدة المباشرة بإعادة فتح المعبر المذكور سابقاً. ولكن التغيير نفسه تُرجم في ميزان السياسة أيضاً، إذ اعتبر لويس شاربونو، مدير شؤون الأمم المتحدة في منظمة «هيومن رايتس ووتش»، أنه «يجب أن تقف منظمة الصحة العالمية ثابتة ولا ترضخ للضغوط من القوى الكبرى. الأمر يتعلق بإنقاذ الأرواح، وليس تجنّب الانتقادات»، مضيفاً أنه «ينبغي لمجلس الأمن على الفور أن يجدّد التفويض باستخدام معبر اليعربية».
بالتوازي، أصدرت «هيومن رايتس ووتش» تقريراً، طالبت فيه مجلس الأمن بتبني قرار فوري بإعادة فتح المعبر، حاشدة جملة من المبرّرات لذلك، وخاصة في ما يتعلق بمكافحة فيروس «كورونا» وآليات إجراء الفحوصات. وأكدت المنظمة أن المساعدات الخاصة بالوباء «موجودة بالفعل في مستودعات في العراق، وفي انتظار الدخول».
ولفتت إلى أن «العوائق البيروقراطية في دمشق تمنع وكالات الإغاثة من نقل الإمدادات إلى المناطق غير الخاضعة لسيطرة الحكومة»، مشيرة في الوقت نفسه إلى أنه منذ بداية آذار، فرضت حكومة إقليم شمال العراق (كردستان) قيوداً حدّت من حجم المساعدة التي يمكن للمنظمات الإنسانية أن تقدمها إلى شمال شرقي سوريا.
ما سبق كان صافرة البداية فقط؛ ففي جلسة مجلس الأمن، أمس الأربعاء، قالت كيلي كرافت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، إنه ينبغي بحث كل الخيارات بما في ذلك استخدام معبر اليعربية. وردّ عليها نظيرها الروسي فاسيلي نيبينزيا، بالقول: «نحث زملاءنا بقوة على ألا يضيعوا وقتهم في البحث عن سبيل للدفاع، بشكل صريح أو ضمني، عن العودة إلى استخدام اليعربية».
خطوة منظمة الصحة العالمية، ستعزز موقف واشنطن السلبي تجاهها؛ فالأخيرة حضّرت العدّة لفتح «معركة المعابر» من جديد، خاصة معبر اليعربية.

المعركة بدأت
بدأت جلسة مجلس الأمن أمس، بإحاطة من وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارك لوكوك، الذي أشار، في جملة ما قاله، إلى أن عمليات تسليم الإمدادات إلى الشمال الشرقي عبر دمشق «لم تسدّ الفجوة الموجودة»، برغم نقل شحنة إمدادات (20 طناً من منظمة الصحة العالمية، تتضمن معدات وقاية وأسرّة عناية مشدّدة، وأجهزة تنفّس اصطناعي) جواً إلى القامشلي في 12 نيسان. وأوضح لوكوك أن هذه الشحنة لم تصل إلى «المرافق الطبية التي كانت مدعومة من قبل، في المساعدات عبر الحدود» من دون أن يذكر تلك المرافق بالاسم.
وبمجرد انتهاء الإحاطة الأممية، قالت مندوبة واشنطن: «خنق تدفق المساعدة بهذه اللحظة الخطيرة من شأنه أن يتحدى المنطق... والولايات المتحدة تدعو المجلس للنظر الفوري في كيفية تسهيل المساعدة عبر الحدود لكل سوريا، بغضّ النظر عمن يسيطر على المنطقة».
ولفتت كرافت إلى أن «إغلاق معبر اليعربية أدى إلى عرقلة وصول 40 في المئة من المعدات واللوازم الطبية». وختمت بالقول: «عندما عجز هذا المجلس عن إبقاء هذا المعبر مفتوحاً بموجب القرار 2504، فإن هذا مهّد الطريق لانتشار الفيروس الذي سيؤدي إلى خراب سوريا ما لم نتحرك على الفور».
ورغم المعركة القائمة حول الإمدادات الطبية إلى الشمال الشرقي، دخلت أجهزة فحص لمُسحات «كورونا» (PCR) إلى مناطق سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية»، وتوزّعت في القامشلي وتل رفعت والرقة وكوباني، إذ أرسلت حكومة إقليم شمال العراق (كردستان)، على دفعتين، أجهزة فحص، كما أنشأت مختبرين طبيين لتدريب فرق في شمال شرقي سوريا على اختبارات الكشف عن الفيروس.

ماذا عن الركبان؟
تحت نفوذ القوات الأميركية في أقصى جنوب شرقي سوريا، لا يزال مخيم الركبان قرب الحدود الأردنية، من دون مساعدات إنسانية ولا طبية، قبل «كورونا» وبعده، مع تقاذف في المسؤولية حوله بين كل الأطراف.
وفق لوكوك، لم تصل إلى مخيم الركبان أية قافلة إنسانية منذ أيلول 2019. كما أُغلقت طرق الإمداد غير الرسمية (من دمشق عبر الضمير) في شباط، ما أدى إلى نقص في وصول الغذاء والوقود والإمدادات الطبية إلى المخيم. كذلك عُلّقت بعثة التقييم والمساعدة الصحية المخطّط لها من قبل الأمم المتحدة والهلال الأحمر العربي السوري، هذا الشهر، بسبب عدم اتفاق جميع الأطراف على طريقة المساعدة والتسليم.
وبرغم الخطوط الأميركية المفتوحة نحو المخيم، ومنطقة التنف، من الأردن، رفضت عمّان إدخال أية مساعدات إلى المخيم من أراضيها. وقال وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، للمبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن، إن بلاده «لن تسمح بدخول أي شخص من المخيم»، مشدّداً على أن «تجمع الركبان هو مسؤولية أممية ــ سورية، حيث إنه تجمُّع لمواطنين سوريين، وأي مساعدات إنسانية أو طبية يحتاج إليها المخيم يجب أن تأتي من الداخل السوري».