من دون قيود أو ضوابط، ومن دون حتى أن تغيّر ملابسك، حتى لو كنت ترتدي ملابس النوم، ما عليك إلا أن تضع الكاميرا أمامك وتغني بكل عفوية، وتقوم برفع هذا الفيديو ضمن مجموعة أطلقها شابان سوريان للغناء خلال فترة «الحجر الصحي»، على موقع «فايسبوك».«موسيقى الحجر الصحي السورية» الاسم الذي اختاره الشابان السوريان، أحمد غانم، ومحمد إبراهيم، لمجموعتهما التي تمكّنت حتى الآن من جذب أكثر من 54 ألف شخص. تضم المجموعة تسجيلات وأغانيَ مختلفة، ومن مدارس وأنماط وأنواع عدة، إلا أن القاسم المشترك بينها جميعاً هو «البساطة»، الأمر الذي قامت على أساسه المجموعة التي تعرّف عن نفسها بجملة مقتضبة «موسيقى الحجر الصحي السورية، عنوان مستوحى من اسم موسيقى الحجرات ولكن بشكل يلائم الوضع الراهن... هو فرصة لنشر الإبداع الموسيقي (عزف أو غناء) أثناء الجلوس في البيت».
يدرس أحمد غانم الماجستير في طرائق تدريس اللغات للطلاب الأجانب في فرنسا، وهو ذات الاختصاص الذي يدرسه شريكه في المجموعة محمد إبراهيم، في الجامعة الأميركية في بيروت. قبل سفره إلى فرنسا، وجد أحمد في الغناء فرصة للتخلص من ضغوط الحياة، والحرب، يوضح في هذا السياق، قائلاً: «كنت أخرج في رحلات تخييم مع أصدقائي، كنا نقضي معظم وقتنا في الغناء، كذلك كنت وعائلتي نغني في المنزل، الغناء كان وسيلة مثلى للتغلّب على التوتر بشتى أنواعه، وخاصة أوقات الحرب في سوريا».
بعد سفره إلى فرنسا، أنشأ غانم مع أصدقائه وعائلته مجموعة صغيرة مغلقة على موقع «فايسبوك» كفسحة للتواصل، وتبادل الأغنيات، ومشاركتها، كل شخص يقوم بتصوير نفسه وهو يغني ويقوم بنشرها على المجموعة، ليرد عليه شخص آخر وهكذا. ومع بدء انتشار وباء «كورونا» وفرض الحجر المنزلي لمنع انتشار الوباء، قرّر الصديقان أحمد ومحمد إطلاق المجموعة، وتعميم تجربتهما بين الأصدقاء، وأصدقاء الأصدقاء، وفق تعبير غانم.
لا يخفي الأخير سعادته بالانتشار الكبير للمجموعة، والنجاح الذي حققته، وهو أمر «فاق كل التوقّعات»، وفق تعبيره، ويتابع قائلاً: «كنا نتوقع أن تضم المجموعة عشرات أو مئات الأشخاص فقط، إلا أن الأرقام الكبيرة فاجأتنا (...) أعتقد أن العفوية هي أبرز سمة للمجموعة، جميع الفيديوهات عفوية، ومتنوّعة، الجميع يغني ويعزف ويشارك موهبته مع الآخرين، هذا الأمر دفع أعضاء المجموعة لدعوة أصدقائهم، الأمر الذي ساهم في انتشارها بشكل سريع».
ولضمان عدم «انحراف» المجموعة عن أهدافها، وضع الشابان مجموعة ضوابط لقبول الفيديوهات ونشرها، أبرزها عدم الخوض في السياسة والدين، واحترام الجميع، ومكافحة التنمّر، الأمر الذي شدّد عليه أحمد غانم خلال حديثه إلى «الأخبار».
تضم المجموعة مئات التسجيلات المصوّرة لسوريين يغنون داخل منازلهم خلال فترة الحظر (تجاوز عدد الفيديوهات المنشورة حتى الآن الألف فيديو، وهو رقم يزداد بشكل مطّرد)، وفيديوهات لمعزوفات منفردة، وبعضها جماعية، بعضها طريف وبعضها الآخر جاد، يغني الموهوبون، الأطفال، المحترفون، ولكن الساحة الأكبر لمحبي الغناء بغضّ النظر عن جمال الأصوات. يوضح أحمد غانم، قائلاً: «إن المجموعة تستقبل الفيديوهات من الجميع، سواء من مغنين احترفوا الموسيقى والغناء وأقاموا حفلات على المسارح، أم غيرهم، من دون أية تفرقة»، لتشكل المجموعة بمجملها صورة لمجتمع متنوّع وجد في الموسيقى والغناء متنفّساً، وفسحة لتجاوز العزلة.
لم يضع أحمد ومحمد أية خطط مستقبلية لمرحلة ما بعد الحجر الصحي، حيث ينحصر اهتمامهما في الوقت الحالي بـ«عيش اللحظة ومشاركة الأغاني والموسيقى للتغلّب على التوتر والعزلة»، وفق تعبير أحمد، الذي يضيف: «في الوقت الحالي جميعنا سعداء، إضافة إلى ذلك فقد ساهم الانتشار الكبير للمجموعة بتدفّق كمّ كبير من الفيديوهات، الأمر الذي نحاول تنظيمه عن طريق تخصيص أيام معينة للأنماط الموسيقية (مثل يوم للجاز ويوم لموسيقى الرحابنة ويوم لأغاني الكرتون وغيرها...)، بهدف تنظيم عمل المجموعة، وهي تجربة ننتظر أن نرى نتائجها».
توقفت المجموعة عن استقبال الفيديوهات خلال الفترة الماضية بسبب عدد المشاركات الكبيرة التي تلقّتها، الأمر الذي احتاج إلى وقت لنشرها تباعاً، قبل أن تعود مرة أخرى وتستقبل الفيديوهات من جديد وفق البرنامج الأسبوعي المحدّد لنوع الأغاني، بعد إضافة شروط جديدة تهدف إلى التأكيد على احترام الخصوصية، أبرزها «منع أية جهة من تداول أي فيديو يُنشر على المجموعة من دون موافقة صاحبه»، وعدم قبول أية حسابات وهمية، وغيرها.
لم تحظ الفيديوهات المنشورة على هذه المجموعة بشهرة واسعة كتلك التي تم تصويرها في إسبانيا أو إيطاليا، أو فيديوهات المشاهير التي انتشرت خلال الفترة الماضية، إلا أنها ورغم ذلك حظيت بمكانة كبيرة في قلوب كثير من السوريين، لتغدو شرفة واسعة، ومسرحاً مفتوحاً للجميع، وطريقة فعّالة لكسر الحجر، والتغلّب على عزلته.