سوريا: آذار رابع... ولا ربيع | دمشق | انضمت صحيفة «الوحدة» الرسمية الصادرة في محافظة اللاذقية إلى قائمة طويلة من المطبوعات الرسمية والخاصة التي اضطرتها الأزمة في السنوات الثلاث الماضية إلى التوقف عن الصدور لأسباب مالية. وإذا كانت الحكومة قد حافظت على كادر الصحف الإقليمية الخمس التي جرى إيقافها ورقياً، فإن عشرات الصحافيين الشباب وجدوا أنفسهم بلا عمل مع توقف المطبوعات الخاصة عن الصدور بعد أسابيع على بدء الأزمة، الأمر الذي دفع بالكثير منهم إلى الهجرة بحثاً عن فرص عمل. تبعاً لبيانات المجلس الوطني للإعلام، فإن عدد وسائل الإعلام المحلية المسجلة بلغ نحو 124 وسيلة منها 16 إذاعة وتلفزيون واحد ووكالة أنباء واحدة، و36 صحيفة و60 مجلة. لكن معظم هذه المطبوعات متوقفة تماماً أو تعاني من عدم الانتظام، باستثناء الصحف الرسمية وبعض الدوريات الحزبية وصحيفة يومية واحدة تابعة للقطاع الخاص. إذ تشير تقديرات أولية للمجلس، لنهاية عام 2013، إلى أنه من بين 43 مطبوعة خاصة مرخصة، هناك 10 مطبوعات لا تزال تصدر بشكل منتظم، فيما حصلت 15 مطبوعة على إيقاف موقت، وما بين 10 - 15 مطبوعة تصدر بشكل متقطع، أما باقي المطبوعات فقد قرّر أصحابها إغلاقها.
ولم تكن وسائل الإعلام التي ظهرت في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة أفضل حالاً. ففي كثير من الأحيان، كانت تتوقف عن الصدور بعد أشهر قليلة إن لم نقل أسابيع، وإن كتب لبعضها الاستمرار، فذلك يكون إما لدعم مادي ما تتلقاه من فصائل معينة في المعارضة أو من بعض الكتائب المسلحة، وفي الحالتين كان جمهورها المحلي محدوداً جداً تبعاً لمناطق سيطرة التنظيم الذي يدعمها أو الإمكانات التي تمتلكها. والمعلومات المتوفرة تشير إلى صدور نحو عشرة مطبوعات معارضة وتأسيس إذاعات محلية عدة. وهذا ما ينطبق أيضاً على بعض وسائل الإعلام التابعة للمعارضة الخارجية والصادرة في دول إقليمية.
يختصر رئيس تحرير صحيفة «الرقميات» ومؤسس موقع esyria، رشاد كامل، واقع الإعلام السوري بالقول: إن «وردة لا تصنع ربيعاً». إذ إن الإعلام السوري كان يحوي عدداً من المبدعين قبل الأزمة، «لكن بافتقارنا للمؤسسات الإعلامية المهنية ولآلات صناعة الرأي الفعلية، سرعان ما ذاب صوت الإعلامي المحترف الفرد في ضجيج الاستقطاب».
وأوضح لـ«الأخبار» أنّ «الإعلاميين السوريين انقسموا ثلاثة أقسام: الأول مع النظام، الثاني ضده، والثالث صامت... أي إن انقسامات الإعلاميين تماهت مع انقسامات المجتمع السوري، ولم تشذ عنه كما كان مطلوباً منها في لحظة مصيرية تمرّ بها البلاد، والتي يمكن أن تؤدي الى انقسامات جغرافية تعكس الانقسام السياسي وحدود الصراع، فإعلام الوسط، إعلام المصالحة، إعلام الفضاء المفتوح للجميع تبخّر عملياً رغم شحّه منذ بداية الأزمة».
هذا الانقسام تنظر إليه هيام علي، رئيسة تحرير موقع «سيرياستيبس»، من منطلق أن «هناك حرباً إعلامية تُشنّ على الدولة السورية بمكوّناتها الحضارية والمؤسساتية، ولذلك وجد الإعلام نفسه، بشقيه الرسمي والخاص، في مواجهة مباشرة رغم قلة إمكاناته».
وتشرح علي أسباب انحسار الإعلام الخاص على الساحة السورية بالإشارة إلى أنّ «توقف قسم كبير منه سببه جفاف السوق الإعلانية، وعدم اكتراث الحكومة بدعمه للاستمرار، علماً بأن مبدأ الدعم موجود، إنما غالباً ما يذهب إلى المقرّبين من أولي أمر الدعم، بغض النظر عن جدوى وسائل الإعلام تلك وفاعليتها. ولا ننسَ هنا مبالغ الدعم الهائلة التي تذهب دورياً إلى إعلاميين ووسائل إعلام لبنانية، قسم منها تقاس مواقفه بمقدار الدعم الذي يحصل عليه، من دون أن ننفي وجود وسائل إعلام جديرة بالدعم، وجميعنا يعرفها».
ومع تراجع عدد المطبوعات العربية والأجنبية الموزعة في السوق المحلية خلال فترة الأزمة، يكون الطوق قد اكتمل حول «عنق» الصحافة المطبوعة، إذ تؤكد مصادر في الشركة السورية لتوزيع المطبوعات أنه لغاية نهاية العام الماضي، لم تكن المطبوعات الخارجية التي تدخل البلاد تتجاوز 200 مطبوعة مقارنة بأكثر من 700 قبل الأزمة، وهذه فجوة تسعى إدارة الشركة حالياً إلى تجاوزها وتنشيط سوق المطبوعات من جديد.

سطوة الإعلام الجديد

انخراط الإعلام كطرف مؤثر في صناعة مجريات الأزمة وتطوراتها، أدى إلى حدوث متغيرات عميقة في الساحة الإعلامية المحلية من شأنها أن تترك تبعات خطيرة على المجتمع السوري، فمقابل ترسيخ الفضائيات لمكانتها في توجيه الرأي العام وقيادته، أسهمت الأزمة في تأسيس سطوة مطلقة ومخيفة لمئات الصفحات الإخبارية التي ظهرت على شبكات التواصل الاجتماعي. وتخصصت بمتابعة مجريات الحرب الدائرة، سواء لجهة ما تنشره من معلومات وبيانات وصور تفتقد غالباً للتوثيق والدقة، أو ما تروّجه من لغة ومفردات تخالف القيم الاجتماعية والإنسانية وتحرّض على العنف ورفض الآخر. لا سيما أن بعض التقديرات غير الرسمية تشير إلى 81% من الشباب السوري، يبدي اليوم اهتماماً خاصاً بشبكة التواصل الاجتماعي «فايسبوك». كذلك انحسار مساحة تأثير الصحافة المطبوعة نتيجة الصعوبات التي تواجهها في الصدور والتوزيع. وهذا بدا جلياً حديثاً في توجه الصحف اليومية الرسمية والخاصة إلى خفض عدد صفحاتها إلى النصف تقريباً، كل ذلك جعل نجم المواقع الالكترونية يبدأ بالسطوع تدريجياً، وهو ما دفع بالكثيرين من أطراف الأزمة إلى تأسيس مواقع كثيرة تعمل بطريقة يغيب عنها الطابع المؤسساتي لصالح العمل الفردي والجهد الذاتي.
في هذا السياق، يحذر رشاد كامل من أنّ «المشهد الإعلامي اليوم يعتمد على البنية الفضائحية، أي بثّ أكبر قدر ممكن من فظائع الطرف الآخر. وأهم معالم الأزمة السورية إعلامياً برأيي هو اختفاء أي بطل أو نجم إعلامي استطاع أن يشكل مشروع حلّ أو مصالحة أو استقطاب لمتابعي الفريق الآخر... الجمود والعسكرة الإعلامية هي ما يميز المشهد الإعلامي السوري الآن... ودليله ضعف المحتوى المطروح».
حديث رئيسة تحرير موقع «سيرياستيبس» عن أن «الإعلام السوري سجل حضوراً فاجأ الإعلام الآخر المدجّج بالمال والدعم الهائلين»، لا يثنيها عن القول إن «الإعلام السوري، وبعد 3 أعوام من الأزمة، يبدو في حاجة إلى «نفضة» سريعة وجذرية، وإلى إحداث تغيير حقيقي في إدارات الكثير من مؤسساته».