مصيرٌ غامضٌ ينتظر مؤتمر «جنيف السّوري»، رغم تأكيدات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عقب لقائه نظيره الأميركي جون كيري لثقة بلادهما بـ«بدء المفاوضات السورية هذا الشهر». أمّا المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، فقد بدا خالي الوفاض إلا من تأكيدات لاستمرار «السعي لعقد المحادثات في موعدها»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّه سيعلم «في 24 الجاري ما إذا كانت محادثات جنيف ستجري في اليوم التالي». وفي تصريحاتٍ أدلى بها أمس لشبكة «سي. إن. إن» قال المبعوث إنّ فريقَه «يسعى إلى ربط بدء محادثات جنيف بوقف إطلاق النار وإرسال المساعدات». ولم تعُد نقاط الاختلاف التي تهدّد انطلاق العملية التفاوضيّة مقتصرةً على اشتراط الحكومة السّورية معرفة أعضاء الوفد المُعارض، أو إصرار موسكو على وجوب إشراك أطراف مُعارضة من خارج «الهيئة العليا للتفاوض» بقدر ارتباطها بسعي الأخيرة إلى تحدّي موسكو. وبرزت العقبةُ الأكبر أمس مع كشف «الهيئة» عن أعضاء وفدها إلى المحادثات، والتي بدَت محاولةَ تحدٍّ واضحةً لموسكو عبر تسمية محمّد علّوش («المسؤول السّياسي في جيش الإسلام») كبيراً للمفاوضين. وهو أمرٌ بدا أنّ موسكو لا تعيره أهميّة، إذ أكّد لافروف أنّ بلاده ما زالت ترى في «جيش الإسلام» جماعةً إرهابيّة، الأمر الذي ينسحب أيضاً على «حركة أحرار الشّام الإسلاميّة»، فـ«فالأولى مشهورة بأنها قصفت مراراً مناطق سكنية في دمشق والسفارة الروسية، فيما تعتبر أحرار الشام نسلاً مباشراً للقاعدة» وفقاً لتصريحات لافروف.
تبدو «الهيئة العليا» متمسِّكةً بأحقيتها في الانفراد بتمثيل المعارضة
وأكّد الوزير الرّوسي أنّ «من المهم بدء العملية السياسية بأسرع وقت ممكن. واتفقنا على أنه عند بدئها سيصبح من الممكن الحديث عن وقف إطلاق النار»، مشيراً إلى أنّ «القرار الأخير (لتاريخ انعقاد جنيف) يعود للأمين العام للأمم المتحدة اعتماداً على نصيحة وتوصية مبعوثه الخاص ستيفان دي ميستورا». وحرص لافروف على الإشارة إلى أنّ محادثاته مع كيري ركّزت على تنسيق الجهود بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب. وقال إن الجانب الأميركي طرح عدداً من الاقتراحات للتنسيق مع روسيا بشأن سوريا، مضيفاً أن «هذه المقترحات، من حيث المبدأ، تسير في الاتجاه الصحيح. ونرى أن تنفيذ الأعمال المشتركة وتقسيم العمل والدعم المتبادل لا تزال هدفنا المشترك». وبدا لافتاً أنّ الوزير الأميركي لم يُدلِ بأيّ تصريحاتٍ عقب اللقاء، فيما اكتفى جون كيربي (المتحدث باسم كيري) بالقول إن الوزيرين «ناقشا أهمية الحفاظ على التقدم نحو حل دبلوماسي للأزمة في سوريا. رغبتنا لعقد هذا الاجتماع في 25 (الجاري) لم تتغير، والوزير (كيري) أكّد ذلك». وفي موقف منسجمٍ مع الموقف الروسي حول وفد المعارضة قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إنّ «وفد المعارضة ينبغي ألا يضم أعضاء ثلاث جماعات معترف بها دولياً باعتبارها جماعات إرهابية». وأوضح ظريف في مؤتمر صحافي خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس أنّ «تلك الجماعات هي تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة وجبهة النصرة»، وأضاف: «هناك عشرة أعضاء من القاعدة حضروا اجتماع المعارضة في الرياض، الذي عُقد لتشكيل وفد المعارضة». ولم تصدر تعليقاتٌ سوريّة رسميّة على المستجدّات، فيما أوضح مصدر دبلوماسي سوري لـ«الأخبار» أنّ «الحكومة السّوريّة جادّة طبعاً في السعي إلى إيجاد حلول سياسيّة للأزمة، لكنّ هذا لا ينفصلُ عن إصرارها على محاربة الإرهاب. لا يمكنُكَ أن تفاوضَ إرهابيّاً، هذا شأنٌ عسكري، والجيش السوري وحلفاؤه ماضون في هذا المسار». وعكست كواليس «جيش الإسلام» أنّ الأخير يعتبر اختيار مسؤوله السياسي ضمن وفد المعارضة «انتصاراً». وقال مصدر عسكري داخل «الجيش» إنّ هذه الخطوة «خيرُ ردّ على عنجهيّة النظام وحلفائه». وأضاف: «كانوا يعتقدون أنّ في وسعهم الانتصار علينا بسهولة، لكنّنا حاضرونَ لمواجهتهم في كل مكان، في جنيف كما في الغوطة». ويبدو اختيار عسكريّ منشق (أسعد الزّعبي) لرئاسة وفد المعارضة رسالةً شديدة التصلّب، كذلك إنّ اشتمال الوفد على أحد متزعمي «جيش الإسلام» لم يأتِ منفصلاً عن نظرة «الهيئة العليا للتفاوض» إلى الدّور الرّوسي في الملف السّوري برمّته. إذ أكّد نائب رئيس الهيئة يحيى القضماني لـ«الأخبار» في حديثٍ من الرياض أنّ «التدخل الروسي السافر الذي يغير الموازين على الأرض هو العائق الأكبر (أمام العمليّة السياسيّة)، فهل يسكت الغرب ويترك روسيا تلعب هذا الدور في تدمير مستقبل الشعب السوري أم سيتدخل؟». كذلك، انتقد القضماني «الدور الأميركي في السماح لإيران وروسيا بأن يشاركا في ذبح الشعب السوري وتدمير مدنه وقراه». وأعرب في الوقت نفسه عن اعتقاده بأنّ «العالم الآن لديه الإرادة لإيجاد حل للقضيّة، خلافاً لما كان عليه الحال في السنوات الماضية». وأضاف: «لكن للأسف (الحل) ليس كما نشاء، بل خاضع للدول التي تتصارع على الأرض السورية». ورأى المُعارض السوري أنّ هذه الإرادة وُجدت لأنّ «هذه الدول بدأت تكتوي بالنار التي أشعلتها في سوريا، وصلت الأزمة إلى بلدانها وسوف تتوسع. إذا لم تحلّ القضية السورية سيعاني العالم بأجمعه، وبالإضافة إلى المشاكل التي تنتشر من شرق آسيا إلى أفريقيا هناك ردود فعل ستنشأ نتيجة هذه المظلمة التاريخية التي صنعوها للشعب السوري».

لا مكان لوافدين جدد
وتبدو «الهيئة العليا للتفاوض» متمسّكة بأحقيّتها في الانفراد بتمثيل المعارضة في أي مفاوضات. يقول القضماني لـ«الأخبار» إنّ «باب الهيئة طبعاً ليس مفتوحاً. دورها تشكيل وفد مفاوض، وقد شكّلته». وينفي صحّة الاتهامات بإقصاء أطياف من المعارضة: «هم أقصوا أنفسهم». ويرى أنّ «الهيئة بأعضائها تمثل معظم القوى الثورية والسياسية والعسكرية، الائتلاف بشكل واسع وهيئة التنسيق والأحزاب الكردية وخمسة عشر فصيلاً عسكريّاً وثوريّاً، كلّهم حاضرٌ في المؤتمر والهيئة». ووفقاً للقضماني، «لم يتم إقصاء أحد عن المؤتمر (الرياض)، ولا عن الهيئة. المملكة قامت بدعوة جميع الأطراف، ولم يُستثن أحد»، حيثُ «دُعي معظم الذين شاركوا في موسكو 1 وموسكو 2 والقاهرة، هناك ما لا يقل عن خمسة عشر عضواً في الرّياض سبقت لهم المشاركة في موسكو، وما لا يقل عن عشرة سبق أن شاركوا في القاهرة وأنا واحد منهم». أمّا في شأن الأكراد، فيرى أنّ «بعض القوى التي توجد عليها إشكاليات مثل PYD (حزب الاتحاد الديمقراطي) لها شأن مختلف. هناك طيف واسع يمثل الأكراد في المؤتمر وفي الهيئة العليا، وبطبيعة الحال لا يمكن أن تدعو الجميع. أمّا هيثم منّاع فقد دُعي ولم يحضُر». كذلك، يؤكّد نائب رئيس «الهيئة» أنّ إحداثها لم يكن التفافاً على مقرّرات «فيينا»، ويرى أنّ «شرعيّة الهيئة شرعيّة دولية. فمؤتمر الرياض لم يُعقد بقرار سعوديّ، المملكة قامت بدورها على أكمل وجه وفق التكليف الذي تم من قبل مجموعة الـ 17 في فيينا، ومنذ المؤتمر حتى هذه اللحظة لم تتدخل المملكة في عمل المؤتمر ولا في أعمال الهيئة العليا للتفاوض». وفي المقابل يرى أنّ «النظام لا يملك الإرادة، أصحاب القرار في سوريا هم الروس، ونحن لن نخضع لشروط النظام ولا لأي جهة أخرى، نحن أصحاب قرار. النظام سيسقط، ولا بد أن تنتصر الثورة».




قائمةٌ جديدة في عهدة دي ميستورا؟
قال مصدر سوري لـ«الأخبار» إنّ «تعديلاتٍ ستطرأ على وفد المعارضة خلال اليومين القادمين». وأوضح المصدر أنّ «إشارة الوزير (الروسي سيرغي) لافروف إلى الاتصالات المستمرّة لـ(المبعوث الأممي ستيفان) دي ميستورا والتزامه أمام مجلس الأمن إرسال الدعوات للمشاركين السوريين في هذه المفاوضات، لم يأتيا من فراغ». ووفقاً للمصدر فقد كان وفد المعارضة أبرز ما بحثه لافروف ونظيره جون كيري، وقد توافق الطرفان على «تعديلات لا بدّ منها، وقد أصبحت على الأرجح في عهدة المبعوث الأممي». وكان لافروف قد أكّد في تصريحاته عقب لقاء نظيره الأميركي أنّ «المبعوث الدولي إلى سوريا على اتصال نشط الآن مع الحكومة السورية ومختلف المعارضين داخل سوريا وخارجها، ويقع على عاتقه التزامٌ من مجلس الأمن بإرسال الدعوات للمشاركين السوريين في هذه المفاوضات». وعلى نقيض من كلام المصدر السوري، جاء أمس تصريح المتّحدث باسم الخارجيّة الأميركية مارك تونر الذي أقرّ باستمرار الخلاف بين بلاده وروسيا حول الوفد. وقال تونر في مؤتمر صحفي: «أشرنا بوضوح إلى أن السوريين هم الذين يحددون تشكيل وفد المعارضة السورية، وإذا توصلوا إلى اتفاق فسنرحب بذلك».




«الرئيس العميد»

يُعتبر رئيس الوفد المُعارض العميد المنشق أسعد عوض الزعبي، أحد المقرّبين من رئيس «الهيئة العليا للتفاوض» رياض حجاب. انشقّ الزعبي في عام 2012، وأصبح «مسؤولاً عن العسكريين اللّاجئين الموجودين في الأردن». وفي تصريحات صحفية أدلى بها بعد انشقاقه، أكّد وجود تنسيق بينه وبين «الائتلاف المعارض من خلال رئيس الوزراء المنشق رياض حجاب وبعض الشخصيات الوطنية التي كانت في الأردن وشاركت في الائتلاف». الزعبي من مواليد درعا، عام 1956، انتسب إلى الكلية الجوية في سوريا منتصف السبعينيات، وكان قبل انشقاقه يشغل منصب «رئيس جناح القوى الجوية في الأكاديمية العسكرية العليا»، بحسب مصادر المعارضة.