بغداد | «وعي» هو الوصف الذي وضعته «هيئة الحشد الشعبي» عنوان حملتها لمكافحة جائحة «كورونا». المشهد الصحّي في «بلاد الرافدين»، في ظل الوباء العالمي، يمكن أن يُقسم إلى قسمين:1- طبيّاً، ثمة عجزٌ واضحٌ في قدرات الدولة وإمكاناتها. فالعراق يفتقد إلى بنيةٍ صحيّةٍ تشكّل حائلاً دون تفشّي الوباء على طول الخارطة الجغرافيّة.
2- اجتماعيّاً، تحديداً في الشقّ المتعلّق بالوعي الجمعي، لا تقبّل، في كثيرٍ من الأحيان، لأي إجراء حكوميٍّ لضبط انتشار الفيروس.
ترهّل الدولة وعجزها والتململ الشعبي من إجراءات حظر التجوال، تُرجمت بخروقاتٍ واضحةٍ للقرارات/ الإجراءات الحكوميّة، وتباهي البعض بذلك على منصات التواصل الاجتماعي، في ظل مشهد قاتم بسبب عجز الأحزاب والقوى عن إيجاد مخرجٍ للأزمة السياسية المفتوحة منذ 1 تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي.
على خطٍّ موازٍ، حملت تصريحات «المرجعية الدينية العليا» (آية الله علي السيستاني)، سقفاً عالياً جدّاً في مقاربة الأزمة. في استفتاءٍ لها (مثلاً)، قالت إنّ «علاج المرضى ورعايتهم والقيام بشؤونهم واجبٌ كفائيٌ على كلّ المؤهّلين لأداء هذه المهام، من الأطباء والكادر التمريضي وغيرهم، ولكن يجب على السلطات المعنيّة أن توفّر لهم كل المستلزمات الضرورية لحمايتهم من مخاطر الإصابة بالمرض، ولا عذر لها في التخلف عن ذلك». إجابةٌ - في مضمونها - شبيهةٌ بـ«فتوى الدفاع الكفائي» (حزيران/ يونيو 2014)، التي أُسس على إثرها «الحشد»، ما عُدّ مقاربةً جديّةً من المؤسسة الدينية لهذا الوباء، حتى إنّها ساوت بين الأطباء والممرضين، وبين «المرابطين المقاتلين في الثغور دفاعاً عن البلد وأهله». وفي استفتاءٍ آخر، أيضاً «أجازت صرف الأموال الشرعية لتوفير الأدوات الضروريّة للحماية من انتقال العدوى من المصابين»، والتأكيد على ضرورة الالتزام بالإجراءات المتبعة وبمبدأ التكافل الاجتماعي، وتوجيه المؤسسات التابعة لها، بشكلٍ مباشر وغير مباشر، إلى اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لمساندة الدولة ومؤسساتها لتخطّي هذا الظرف.
تستند حملة الحشد إلى فتوى الواجب الكفائي الشبيهة بفتوى «الدفاع الكفائي»


هذا التحدّي، فرض على الدولة العراقيّة إسناد المهمة إلى جهة «متكاملة الأذرع»، يمكن لها - بإمكاناتها المتاحة - أن تقود «المواجهة بما تيسّر». تصدّى «الحشد» لذلك، بناءً على توجيهات القائد العام للقوات المسلّحة عادل عبد المهدي؛ شارعاً في خطّةٍ من 4 مستويات، لا تخلو من بعض «الرسائل»:
- المستوى الأوّل: التعقيم؛ وُجهّت مديريّاتٌ عدّة في «الحشد»، وفي مختلف المحافظات الـ 18، إلى تعقيم الأماكن العامّة (مستشفيات، مؤسساتٍ ومراكز حكوميّة، المدارس والجامعات، الشوارع...). وتحت عنوان «مكافحة الجائحة»، أطلق «الحشد»، الأسبوع الماضي، حملة تعقيم في العاصمة بغداد ومحيطها، بمشاركة أكثر من 5000 شخص و1200 آلية. هذه الحملة، كانت أقرب إلى «مناورة انتشارٍ» في ظل التهديدات الأميركية المتكرّرة، ومسعىً لترميم «ثقة» الشارع بالمؤسسّة، والتي اهتزّت في الآونة الأخيرة.
- المستوى الثاني: التوعية؛ أطلقت مديريّة الإعلام حملاتٍ للتوعية من مخاطر الوباء، توزّعت بين فواصل فنيّة وجّهت الى مختلف الفئات العمريّة، عبر مختلف القنوات التلفزيونيّة ومنصات التواصل الاجتماعي، إضافةً إلى طباعة البوسترات والبرشورات وتوزيعها بالتعاون مع وزارة الصحة و«هيئة الإعلام والاتصالات» و«اتحاد قنوات التلفزيونات العراقية» و«شبكة الإعلام العراقي»...
- المستوى الثالث: تأهيل المستشفيات؛ شرعت مديريّة الطبابة في «الحشد» في تأهيل وترميم عددٍ من المستشفيات في المحافظات الجنوبيّة (ذي قار وكربلاء والديوانية وواسط) للحجر الصحّي ولعلاج المصابين، وأكدت أنّها في صدد تأهيل وترميم عددٍ آخر في المحافظات الأخرى.
- المستوى الرابع: دفن الضحايا؛ في الأيّام القليلة الماضية، برز تحدّي دفن ضحايا الفيروس، وخصوصاً أن المقابر في العراق محدودةٌ جدّاً، وأبرزها «وادي السلام» في محافظة النجف؛ وقد تولّى «الحشد» هذه المهمة، من نقل المتوفين وتغسيلهم إلى تكفينهم ودفنهم في النجف، وفي غيرها، من دون استثناء أي مكوّنٍ. كل ذلك وفق «استفتاء المرجعيّة» الأخير.
هذه المستويات، وفق المعنيين، سيُضاف إليها مستويان آخران. الأوّل هو دعم الأطباء والممرضين والعاملين في القطاع الصحّي، على المستوى النفسي والمادي، والثاني تأمين مساعدات عينيّةٍ للمحتاجين ممن تعطّلت أعمالهم إبّان الأزمة الراهنة. ردود الأفعال – وفق هؤلاء - إيجابيّةٌ جداً، وخصوصاً أن الحملة طاولت مختلف المحافظات وبمشاركة عشرات الآلاف من العاملين والمتطوّعين.