تونس | تصنيف تنظيم «الإخوان» المسلمين كتنظيم إرهابي وحصر أنشطته، ومطاردة قياداته في مصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، أربك المشهد السياسي التونسي، إذ إن حركة النهضة التي تملك الأغلبية في المجلس الوطني التأسيسي، السلطة العليا في البلاد، معنية بهذا التصنيف باعتبارها أحد التنظيمات الإخوانية! لم يفلح قادة حركة النهضة خلال ثلاث سنوات من عودة الحركة إلى النشاط العلني والقانوني، بعد ٢٣ عاماً من المطاردة والسجون والمنافي في عهد بن علي، في أن يقنعوا فئات واسعة من الشعب التونسي في أنهم حزب سياسي مدني مستقل عن التنظيم العالمي للإخوان المسلمين.
بل إن الحركة أكدت انتماءها عملياً للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، عندما جعلت من شعار «رابعة» حاضراً في كل الاجتماعات الحزبية والشعبية التي تعقدها في جهات البلاد، بعد الثورة التي أطاحت محمد مرسي، والتي تعتبرها حركة النهضة انقلاباً أطاح حكم الإخوان.
هذا الإصرار من الحركة على الانتماء الضمني إلى حركة الإخوان المسلمين، أكدته الوثائق التي تداولتها صفحات الفايس بوك، ونشرها عدد من الباحثين المتخصصين في تاريخ الحركات الإسلامية، من بينهم الباحث أنس الشابي، الذي أعاد نشر وثائق كان قد نشرها المرحوم عبد الله عمامي سنة ١٩٩١ في كتابه «تنظيمات الإرهاب في العالم الإسلامي أنموذج النهضة». وقد نشر هذا الكتاب زمن المواجهة بين حركة النهضة ونظام بن علي، التي انتهت بتفكيك جهاز النهضة وحصر نشاطها والزج بقياداتها الأولى والوسطى وحتى الصغرى في السجون. الوثائق التي يجري تداولها منذ أيام تؤكد أن الحركة أدت البيعة لتنظيم الإخوان المسلمين مرتين، الأولى في مكة للمرشد العام الذي خلف حسن البنا، حسن الهضيبي، والثانية كانت في القاهرة للمرشد الثالث عمر التلمساني، وكانت بحضور كمال السنانيري، أحد أبرز قادة التنظيم السري. وقد أدى البيعتين باسم الحركة التي كان اسمها «الاتجاه الإسلامي» آنذاك، أحميدة النيفر، أحد القيادات التاريخية الذي انشق عنها في ما بعد وأسس تياراً سرعان ما اندثر باسم «اليسار الإسلامي» وأصدر مجلة ١٥-٢١.
المرجعية المشتركة لحركة النهضة مع حركة الإخوان ونشاط زعيمها راشد الغنوشي في التنظيم العالمي للإخوان وصوره المعلقة مع قادة اللإخوان في مقرهم في المقطم في ضواحي القاهرة، الذي أحرقه محتجون في ثورة ٣٠ يونيو، كل هذه المعطيات تحاول حركة النهضة تجاهلها عبر تأكيد وسطيتها واعتدالها وانتمائها إلى «الإسلام التونسي»، الذي ترمز إليه القيروان وجامع الزيتونة، المرجعية المالكية الرسمية في البلاد، كذلك تستغل الآن الحركة من خلال حضور قيادييها في الاجتماعات الشعبية والبرامج التلفزيونية والإذاعية والصحف وصفحات الفايس بوك، للترويج للدستور الجديد الذي لم يكن ليصدر لولا إيمان الحركة بالتوافق بين كل الأحزاب السياسية ونبذها للعنف وإدانتها للتطرف وإيمانها بالديموقراطية وتداول الحكم، وهو ما تتعارض فيه مع باقي الحركات الإسلامية في الوطن العربي والعالم الإسلامي.
هذا الخطاب الذي تتبناه الحركة وتعمل على تسويقه، اعتبرته القوى اليسارية خاصة خطاباً للتسويق فقط؛ إذ إن الحركة لم تدن إلى حد الآن في أي بيان رسمي أعمال العنف التي تقوم بها حركة الإخوان المسلمين في مصر، بل ما زالت تدين الثورة التي حدثت في ٣٠ يونيو، وتتحامل على المشير عبد الفتاح السيسي.
ويخشى عدد من المطلعين على الكواليس السياسية في تونس، أن ترفض الدول الخليجية وخاصة دولتي الإمارات والسعودية، ضخ مساعدات لتونس لإنعاش اقتصادها، الذي يحتضر، ما لم تقم بإجراءات عملية ضد نشاط الحركة، وخاصة حزام الجمعيات المرتبط بها، الذي لا تخفى تمويلاته القطرية والإخوانية، وهو ما سيربك المشهد السياسي من جديد. وتبرز هذه المخاوف مع عودة القبضة الحديدية في معالجة ملف المساجد الخارجة عن سيطرة الدولة، إذ عادت وزارة الشؤون الدينية من جديد إلى تحديد مواعيد فتح المساجد وغلقها، وهو إجراء اتخذه زين العابدين بن علي قبل ٢٣ عاماً في حربه على حركة النهضة. وكان هذا القرار قد تعرض لانتقادات كبيرة من الحقوقيين في السنوات الأخيرة لحكم بن علي، إذ عُدّ إجراءً للتضييق على أداء الشعائر الدينية. ويتوقع في إجراء قادم توحيد خطبة الجمعة، وذلك في مسعى لمحاصرة مسارات التطرف والتشدد الديني. فكيف ستتجاوز حركة النهضة تهمة الانتماء إلى الإخوان المسلمين التي أكدتها طوال عامين من ممارسة الحكم؟