القاهرة | تعتقد أجهزة الاستخبارات المصرية، على ما يبدو، بأن التصعيد الحالي بين الجهاد الإسلامي وإسرائيل مجرد «محاولة لإخراج حركة حماس من ورطة الاشتباك المباشر مع مصر»، بعدما ادّعت الحركة أخيراً، «على نحو غير صحيح»، أن مصر حظرت أنشطتها على أرضها، وهو ما يتنافى مع منطوق الحكم المصري الذي نص على «الحظر المؤقت لحركة حماس على أرض مصر إلى حين البتّ في القضايا المرفوعة ضد أعضاء الحركة وقادتها في تهمتي التخابر واقتحام السجون».ودعت مصادر معنية في تلك الأجهزة إلى ضرورة عدم التهويل بشأن التصعيد في القطاع، معتبرةً أن «كلاً من الجهاد الإسلامي وإسرائيل لا ينويان التصعيد المتبادل، بدليل اختيارهما لأهداف غير مهمة خلال المواجهات الحالية». وتساءلت المصادر عن «المغزى من الموقف المهترئ لقادة حماس ــ الذين لو رغبوا لاعتقلوا من قام بتصعيد الامور حيال إسرائيل»، لافتة إلى «الأرقام المبالغ فيها لعدد الصواريخ التي ألقتها الجهاد الإسلامي على مواقع إسرائيلية، والتي بلغ عددها بحسب الرواية الاسرائيلية نحو 73 صاروخاً و130 صاروخاً وفق رواية الجهاد، مع الأخذ في الاعتبار عدم تسجيل إصابات أو وفيات».

التدخل المصري للتهدئة، وفق رؤية الباحث في مركز الاهرام الاستراتيجي محمد جمعة، «شمل ضمان عدم تتبع أو تصفية نشطاء وعناصر الجهاد الإسلامي من قبل الجانب الإسرائيلي، على أن تستمر الهدنة بين الجانبين وفقاً لشروط 2012»، مشيراً إلى أن «التصعيد انتهى بمجرد أن كثّفت الاستخبارات المصرية تواصلها مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي». وقال «ربما أرادت حماس أن ترتفع ألسنه اللهب بين الجهاد وإسرائيل، لأن إشعال الأمور مع إسرائيل في هذه اللحظة ــ قد يكون مخرجاً من وجهة نظر حماس ــ أقل كلفة من بدائل أخرى كثيرة، لجهة المأزق الذي تعاني منه الحركة الآن ضمن جوار عربي غير حاضن، ومشهد إقليمي يتعارض مع طموحاتها الاستراتيجية، وشرعية متآكلة إلى حد ما، ومصالحة غير منجزة».
وأضاف جمعة «إن مصر طلبت من حماس بعد التصعيد الأخير إعادة نشر عناصرها على الحدود مع مصر، وربما شعرت حماس من هذا المطلب المصري أنها ما زالت قوية ومؤثرة، لكن الحقيقة أن الطلب جاء تلبية لرغبة مصرية بعدم احتكاك المدنيين الفلسطينيين بالجنود المصريين المرابطين على الحدود الشرقية المتاخمة للقطاع ــ في حال تفاقمت الأوضاع هناك بعد الضربة العسكرية الإسرائيلية ــ بمعنى درء مزيد من تأزم الأوضاع على الحدود».
ورأى أن «بلورة خيارات مصر تجاه نظام حماس في قطاع غزة تتطلب حسابات دقيقة لعوامل كثيرة، بعضها لا تزال رهن التطورات ولم تستقر، لكن يبدو أن العلاقات المصرية ــ الحمساوية ستزداد سوءاً في القادم من الأيام، ويصعب الاعتقاد بأنها يمكن أن تتحسن، لأن نظام حماس انتقل في علاقته مع الدولة المصرية من خانة الكيان غير الحليف إلى الكيان شبه المعادي».
وأوضح جمعة أن «إسرائيل سارعت بضربات مدفعية برية إلى تحجيم عناصر الجهاد الإسلامي والضغط عليهم لقبول الهدنة التي رعتها الاستخبارات المصرية، لأنها لا تستطيع تحمّل كلفة إيواء الاسرائيليين في الملاجئ»، مشيراً إلى أن «السلطات الإسرائيلية لجأت إلى مصر لأنها تعرف دورها في حماية المدنيين من الفلسطينيين، خاصة بعد أن ظهرت حماس كأنها تتاجر بدماء أبنائها، مع الأخذ في الاعتبار أن مصر لا تريد التشويش على مهمتها العسكرية في مواجهة الإرهاب الأسود، وتسعى جاهدة لتحقيق خارطة المستقبل التي تتعارض مع أجندات دول الجوار».