الخرطوم | تُرجمت محاولة اغتيال رئيس الحكومة السودانية الانتقالية، عبد الله حمدوك، إلى حالة من الغضب والخوف على الرجل ومستقبل البلاد لدى الشارع. فحمدوك ظل يحظى بتأييد شعبي منذ اختياره في منصبه ربما لم يتوافر لحاكم قبله. ورغم بطء الإجراءات في تحسين الأوضاع الاقتصادية وعقد اتفاق سلام، لا يزال الناس يعقدون أملاً كبيراً عليه في إحداث تغيير كبير على المستويات كافة، خاصة الاقتصاد، بحكم أنه خبير اقتصادي عمل في مؤسسات خارجية. وحمدوك (65 عاماً) يحمل شهادتي دكتوراه وماجستير في علم الاقتصاد من كلية الدراسات الاقتصادية في جامعة مانشستر ببريطانيا، وبدأ مسيرته العملية عام 1981 في وزارة المالية السودانية، كما شغل منصب كبير المستشارين الفنيين في «منظمة العمل الدولية» في جنوب أفريقيا وموزمبيق في 1997 حتى عُيّن عام 2011 نائباً للأمين التنفيذي للجنة الاقتصادية لأفريقيا وساحل العاج. كما أنه منذ 2018 حتى اختياره رئيساً للوزراء عمل كبير مستشارين في بنك التجارة والتنمية الذي يتخذ من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا مقراً له.بجانب الإشارة إلى جهات خارجية تريد خلط الأوراق، يرى كثيرون أن العوامل الداخلية أكثر مدعاة للدراسة، ولا سيما أن حكومة حمدوك اتخذت قرارات «ثورية» أخيراً قد تكون دفعت خصوم الثورة إلى التخلص منه، ولا سيما قرار تفكيك «نظام الإنقاذ» واعتقال بعض رموز النظام السابق وإدانة بعضهم وفتح ملفات فساد شملت استرداد بعض الأراضي ومراجعة حسابات مصرفية. كما أن الضربة تأتي في وقت تلوح فيه بوادر معالجة الأزمة الاقتصادية بعدما تم الاتفاق على تكوين لجنة عليا برئاسة العضو البارز في «المجلس السيادي»، محمد حمدان (حميدتي)، ليكون ذلك إيذاناً بإجراءات صارمة ضد المتلاعبين بسعر الصرف والبضائع. وكان وفد وزارة الخزانة الأميركية الذي يزور السودان حالياً قد قال أول من أمس إن رفع اسم البلاد من «قائمة الدول الراعية للإرهاب» صار «مسألة وقت»، في حين أن اغتيال الرجل كان سيؤجل ذلك، لأن البلاد تكون قد دخلت عهد إرهاب جديد.
في المحصلة، عادت قوى «إعلان الحرية والتغيير»، الحاضنة السياسية لحكومة حمدوك، و«تجمع المهنيين»، لتشد نفسها بعد الاختلاف الذي أصابها من جراء قضية التطبيع مع إسرائيل، وتحشد أنصارها في مسيرات إلى ساحة الحرية في العاصمة الخرطوم، عقب إعلان محاولة الاغتيال، ما يعني تعزيز شرعية الرجل مجدداً. كما كان ملاحظاً أن الأيام التي سبقت الحادث شهدت حملة عنيفة ضده في مواقع التواصل الاجتماعي وصفها فيها خصومه بـ«الفاشل»، مقابل تسويق الداعمين له حملة «شكراً حمدوك». يربط المحلل السياسي الحاج حمد محاولة الاغتيال بـ«الخلية الإسلامية التي كُشفت قبل مدة في شرق النيل بمدينة بحري، وتضم أجانب من دولة مجاورة»، مضيفاً: «قرار تفكيك الإسلاميين محفز آخر، فضلاً عن قرار الحكومة الانتقالية إلغاء الجنسيات التي أعطاها النظام السابق لبعض الأجانب (شرط أميركي)». ولم يستبعد حمد ربط الحادثة بأزمة «سد النهضة»، لكنه ركز على النتيجة، وهي أن تقود هذه الحادثة إلى «توحد القوى السودانية بمختلف أطيافها». لدى مستشار صحيفة «الانتباهة» أحمد التاي تقييم مغاير، هو أن رئيس الوزراء وجد إجماعاً كبيراً من القوى السياسية في البداية، «لكن بعد مرور ستة أشهر من توليه منصبه ساد بعض مكونات الشعب نوع من الإحباط، فبدأ الهجوم عليه من بعض الجهات، خاصة تيار النظام المعزول»، وهو ما مهّد لحرق ورقته، خاصة بعد «موافقته على أن يضع مجلس الأمن السودان في البند السادس، الأمر الذي امتعض منه حلفاؤه في الحرية والتغيير».