اختارت إسرائيل، رداً على عمليات حركة الجهاد الإسلامي أول من أمس، خياراً هجومياً، دون سقف التهديد المرتفع جداً، الذي رفع لواءه قادتها. لم تنفع معه محاولة التلطي وراء مصطلح التهدئة، والتشدد في نفي التوصل إلى وقف اطلاق النار، في تعديل الصورة التي نجح «الجهاد الإسلامي» في زرعها. مع التأكيد أن لدى الطرفين الكثير من الأوراق العسكرية التي لم يجرِ اللجوء اليها في هذه المرحلة.
فعلى الرغم من النبرة المتغطرسة لتصريحات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في التهديد بالرد بالمثل، الا أنها انطوت على اشارات حول استعداد إسرائيل للعودة إلى معادلة التهدئة المتبادلة؛ فقد أعلن نتنياهو أن «لدى إسرائيل سياسة واضحة ازاء ما يجري في جنوب البلاد، تقوم على مبدأ المعاملة بالمثل، بمعنى أنها ستضرب كل من يحاول الاعتداء عليها»، مشيراً إلى أن «رد إسرائيل على اي هجوم لاحق من القطاع يستهدف تشويش الاحتفالات بعيد المساخر (البوريم ) سيزداد صرامة»، ناصحاً «التنظيمات بفهم حقيقية تعاملهم مع حكومة حازمة وجيش قوي للغاية».
وانتقد نتنياهو رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لتجنبه استنكار الهجمات الصاروخية الفلسطينية، واتهامه إسرائيل بتصعيد الاوضاع، مؤكداً أن «كل من يريد المضي في عملية السلام قدماً يجب أن يدين الإرهاب بصريح العبارة، وأن يقر بحق إسرائيل في الدفاع عن النفس». وبالرغم من ارتفاع مستوى التهديدات الاسرائيلية، التي تزامنت مع اجتماع المجلس الوزاري المصغر، ومطالبة نتنياهو الاجهزة الامنية والعسكرية، باعادة الهدوء إلى الجنوب، لفت مصدر سياسي في تل ابيب، إلى أن «إسرائيل غير معنية بالتصعيد»، مؤكداً في الوقت نفسه أن «لا مصلحة لحماس والجهاد الإسلامي بالاستمرار في موجة التصعيد الحالية».
في السياق نفسه، اكد مصدر امني رفيع أن اسرائيل لم تتوصل إلى اتفاق وقف النار مع «الجهاد الإسلامي، في قطاع غزّة، بل ستعمل وفق «التهدئة مقابل التهدئة»، امتداداً لما جرى الاتفاق عليه منذ عملية «عمود السحاب» في تشرين الثاني 2012، كما نقلت تقارير اعلامية إسرائيلية، أن «الجيش يدرك جيداً أن الأميركيين والأوروبيين غير معنيين حالياً بضجيج». من جهة ثانية، شدد وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، على أن «الظروف السياسية والإقليمية مواتية، لإعادة احتلال قطاع غزّة، وتطهيره من المنظمات التخريبية»، حسب وصفه.
وقال ليبرمان في تصريح على حسابه الشخصي، عبر موقع «فايسبوك»، «لا خيار أمامنا سوى إعادة الهدوء في غزّة عبر احتلالها، وتنظيفها من الإسطبلات الإرهابية فيها».
وأشار إلى أن إطلاق الصواريخ من القطاع على جنوب إسرائيل، استمر رغم الانسحاب منه في عام 2005، مضيفاً: «لا يمكن وقف ذلك عن بعد، فالأمر بحاجة إلى اجتثاث من الجذور». وقال ليبرمان: « في أعقاب حظر النظام المصري الجديد لحركة حماس، فإن الظروف مواتية للإقدام على عملية الاجتياح الكامل، فمصر معنية أيضاً بذلك» مضيفاً «في أعقاب تنظيف الإسطبلات الإرهابية في غزّة، سنقوم بالاتفاق مع مصر وبإشراف دولي على صيغة تمكن سكان الجنوب (الإسرائيليين)، وسكان غزّة من العودة إلى حياتهم الطبيعية».
وبالرغم من مساعي التهدئة، بالامس، اصدر وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون تعليماته للجيش بالاستعداد لامكانية مواصلة المنظمات الفلسطينية اطلاق النار، وفي هذا الاطار، قرر الجيش، في نهاية تقدير وضع، تجنيد الاحتياط بحجم مقلص لمصلحة منظومة الدفاع الجوي، من اجل الاستعداد لنشر بطاريات «القبة الحديدية» في حال استمرار التصعيد.
بموازاة ذلك، حذر يعلون مجدداً الفصائل الفلسطينية من مغبة الاستمرار في اطلاق الصواريخ باتجاه جنوب إسرائيل، موضحاً أن لدى الجيش الكثير من الخيارات التي لن يتردد في استخدامها عند الحاجة. وتعهد يعلون في ختام مشاوراته مع قادة الجيش أن «مطلقي الصواريخ سيدفعون ثمناً باهظاً».
وهدد وزير الدفاع الإسرائيلي «حماس»، باعتبارها المسؤولة عن القطاع، مؤكداً أنه إذا لم يتوقف اطلاق الصواريخ فستُستهدف وتُستهدف مصالحها في القطاع. بدوره اعتبر رئيس الهيئة الأمنية السياسية، في وزارة الدفاع الإسرائيلية، عاموس غلعاد، أن دولته تواجه «عدواً شرساً في غزّة». وأضاف غلعاد في مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية العامة: «رسالة إسرائيل لهذا العدو: إذا لم يسد الهدوء الجانب الإسرائيلي من الحدود، فهو لن يسود قطاع غزّة أيضاً».
اما الوزير عامير بيرتس، فرأى ان «حماس تسمح للجهاد الاسلامي باشعال المنطقة، وعليها ان تتحمل مسؤولية ما تقوم به».
وفي السياق نفسه، دعا نائب وزير الدفاع داني دانون اسرائيل الى توجيه ضربات إلى قادة المنظمات، مشيرا إلى أن من المبكر الحديث عن احتلال غزة. وفي الوقت نفسه رأى دانون، أنه إذا قرر المستوى العسكري ان الطريق الوحيد لاستعادة هدوء بلدات الجنوب هو احتلال غزة فإن المستوى السياسي سيبحث ذلك.
اما لجهة المعلقين الاسرائيليين، فتوقع يوآف ليمور في صحيفة «اسرائيل اليوم»، ان تقوم حركة حماس بكبح نشطاء بقية الفصائل الفسطينية كي لا تصل الى التدهور غير المرغوب به، ولفت الى ان عشرات الاهداف التي هوجمت هدفت الى توجيه رسالة الى حماس من اجل اجتثاث اي حافز لديها للحرب. واوضح ليمور انه خلال المشاورات التي جرت مساء امس، لم تطرح تساؤلات حول حقيقة الرد، لأن الجيش منذ عملية «عمود السحاب» يحرص على الرد على كل عملية وعلى كل صاروخ، بل تمحور المأزق حول حجم الرد الذي يؤدي الى جباية الثمن ونقل رسالة واضحة الى الجانب الثاني، لكن على نحو لا يؤدي الى التصعيد.
ولفت ليمور ايضا الى انه بالرغم من الغضب الاسرائيلي على الهجوم الصاروخي الواسع والمفاجئ، كان من الصعب تشخيص حماسة اسرائيلية لخوض مغامرة في غزة، فالاليات لم تتحطم بعد، والوضع الامني في النقب افضل مما كان عليه في السابق، والشرعية الداخلية والدولية لعملية كهذه ستكون محدودة، وباستثناء ذلك، هناك القيود الموضوعية: الطقس وعيد المساخر وفعالياته.
من جهته، رأى المعلق العسكري في صحيفة «يديعوت احرونوت»، اليكس فيشمان، ان «الحساب في منطقتنا هزلي، اذ ليس لاسرائيل ولا لحماس مصلحة في اشعال الحدود، وهما لذلك تخرجان المصابيح وتفحصان مقدار الضرر الذي حدث.