أصدر مجلس الوزراء السوري، مطلع العام الجاري (20 كانون الثاني/ يناير)، قراراً جديداً حَمَل الرقم خمسة، ألزم الجهات العامة المعنيّة بسجلات ملكية العقارات والمركبات بأنواعها، والكتّاب بالعدل، عدم توثيق عقود البيع قبل وضع قيمتها أو جزء منها في الحساب المصرفي للمالك (البائع)، أو خَلَفه العام أو الخاص، أو مَن ينوب عنه قانوناً، اعتباراً من منتصف شباط. قرارٌ أثار، فور صدوره، ضجّة في الشارع، حيث عدّه كثيرون زيادة في الإجراءات الروتينية من شأنها عرقلة عمليات البيع والشراء، وتوليد تداعيات سلبية أخرى. وفي هذا الإطار، يلفت أحمد سليم (صاحب عقار) إلى أن القرار دَفَعه إلى استعجال بيع عقار كان يملكه، معرباً عن قناعته بأن وضع جزء من المبلغ لن يكون كافياً لأن المصارف ستطالب لاحقاً بإيداع كامل المبلغ، ما يعني زيادة الضرائب على الناس، بحسبه. ويرى أن القرار سيفتح باب التلاعب، و«ستجد بيوتاً في أغلى مناطق العاصمة تُباع على الورق بمبالغ بسيطة لا تكفي لشراء غرفة في أسوأ الأحياء».
أنقر على الصورة لتكبيرها

في المقابل، يعتبر عادل خيمي، وهو تاجر، أن «القرار جيّد، لأن هدفه سحب العملة المحلية من السوق وإيداعها في حسابات مصرفية، ما يعني زيادة الطلب عليها وزيادة تحويل المدّخرات من الدولار إلى العملة المحلية، ما يسفر في النهاية عن ارتفاع قيمة الليرة أمام الدولار». ويعتقد نزار حسن، بدوره، أن «القرار ضروري ولا يعارضه إلا من يريد القفز فوق القوانين، فهو قد يسهم في كشف حالات غسيل الأموال، لأن سحب مبلغ كبير من الحساب المصرفي يحتاج إلى ذكر التبرير، أما سحب المبلغ من دون مبرّر فسيلفت نظر المراقب المالي حول حركة أموال غير طبيعية ربما تغطي تبييض الأموال».
وكان نائب حاكم مصرف سوريا المركزي، محمد إبراهيم حمرة، قد أوضح، في مقابلة تلفزيونية، أن الهدف من هذا الإجراء نشر الوعي المصرفي، وتعويد الناس على التداول الإلكتروني. وبخصوص المخاوف من إيداع كامل المبلغ، بيّن حمرة أن لا شروط في ما يتصل بالجزء المطلوب إيداعه في الحساب المصرفي، مطمئناً إلى أن الموضوع ليس له أيّ علاقة بالضرائب، التي هي من اختصاص وزارة المالية. وفي الوقت الذي رحّبت فيه غالبية المصارف بالقرار، صدر تصريح صادم عن المصرف التجاري الحكومي، اعتذر فيه عن تطبيقه لعدم قدرته على فتح حسابات جديدة، طالباً إرجاء الأمر إلى حين تمكّن المصرف من تحديث النظام المصرفي التقني المعمول به حالياً.

إشكاليات ومخاطر
يلفت الخبير الاقتصادي، ماهر سنجر، إلى أن «القرار رقم 5 هو استكمال لمحاولات سابقة تخصّ العقارات والسيارات، ولكن هذه المرة أخذ منحى قرار بدلاً من قانون»، مستشهداً بأنه «سبق لرئاسة الوزراء استصدار القرار 1915 لاستكمال بعض الثغرات في قانون السير السوري، ما خلق أيضاً حالة من الجدل حول صلاحيات كلّ من السلطتين التنفيذية والتشريعية، وجعل بعض المحاكم ترفض تنفيذ القرار». ويشير إلى أن «مَن يتابع القرارات الصادرة عن مجلس النقد والتسليف يعلم أن وسائل الدفع كافة، بما فيها السداد النقدي لقيم العقار، متاحة، ما يجعل القرار الجديد مؤثراً في شرعية العقود والقوانين السورية، التي كفلت للمواطن طريقة السداد المتفق عليها بين طرفَي العقد». أما في ما يتعلق بالوعي المصرفي، فلا يمكن، من وجهة نظر سنجر، الجزم بأن القرار سيسهم في خلقه، لكنه «قد يكون خطوة في اتجاهه». ويتحدث عن أسباب أخرى وراء إصدار القرار، من بينها «خلق نوع من التصحيح الضريبي من خلال فرض الضريبة على قيمة العقار الرائجة وليس المتفق عليها، ورفع الطلب على الليرة السورية، وضبط سرعة دوران النقد والمعروض منه من خلال الجهاز المصرفي، فضلاً عن تعزيز سيولة المصارف وإيراداتها، وتعزيز جهود مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب».
اعتذر المصرف التجاري الحكومي عن عدم تطبيق القرار لعدم جهوزيته لذلك


وعن مدى جاهزية المصارف للقيام بهذه المهمة، يشير سنجر إلى أنه «سبق واعترفت بعض المصارف بعدم قدرتها على تنفيذ القرار لجملة من الأسباب معظمها فني»، مضيفاً أن «السؤال المطروح هو كم سيؤثر القرار في جودة الخدمة المُقدّمة للعملاء المصرفيين، وخصوصاً مع الأعداد الكبيرة التي ستقصد المصارف». وبرأيه، فإن «احتمالات الغلط والغشّ سترتفع مع ارتفاع عدد الحسابات المفتوحة، وكثافة حركات السحب والإيداع مع أول أيام فتح الحساب، ليتحوّل بعدها الحساب غالباً إلى حساب مجمّد، لا يحق لصاحبه توريد أيّ أموال إليه». ويختم بأن «هذه المشكلة ستتفاقم، وخاصة بالنسبة لِمَن يمتهنون التجارة بالعقارات، حيث قد يتمّ البيع للعميل نفسه بفارق زمني مدته عشر سنوات».
من الناحية القانونية، يرى المحامي عبد اللطيف الداية أن القرار ألزم الناس بوضع جزء غير محدّد، قد يكون بسيطاً جداً، من المبلغ في المصرف، وبالتالي فهو «لم يَنَل من الحرية الشخصية أو الملكية الخاصة»، نافياً صحة الحديث عن كونه «محاولة حكومية لجمع كل مدّخرات الناس في البنوك، فالقرار تحدّث عن حالات البيع فقط ولم يلزم الأطراف بوضع كامل المبلغ»، معرباً عن اعتقاده بأن «الأمر مرتبط بتخفيض تكاليف التعامل النقدي وما شابه، وتحسين سعر الصرف». وينبّه الداية إلى أنه «لم يَرِد في القرار ما يُشدّد الإجراءات أو يعقّدها، فقد قَبِل أن يودَع الثمن في حساب خَلَف المالك أو وكيله... كما أن الإشعار المصرفي لن يُغيّر المركز القانوني لأطراف العقد، إذ تبقى لكلّ منهم حقوقه والتزاماته»، مضيفاً أن «القرار منح وقتاً للتطبيق قرابة الشهر، ولم يحدّد مصرفاً معيّناً بالذات أو فرعاً لمصرف معيّن بالذات، و لا يُتوقع وجود أثر كبير للقرار على زيادة الضرائب والرسوم». لكن الداية يشدد على أنه «لا يمكن اعتبار سلوك طرق أخرى لنقل الملكية التفافاً غير مشروع على القرار الأخير، لأن أيّ طريق آخر هو أيضاً تصرّف مُشرّع قانوناً ولا يحمل تجاوزات أو مخالفات، فإما أن تَسكت التعليمات التنفيذية للقرار التي ستصدر لاحقاً عن هذه الطرق وهو المتوقّع، أو تتحدّث عنها ويُبنى حينها على الشيء مقتضاه».
وفي ما يتعلق بالآثار المتوقّعة على السوق العقارية، يشير إلى أن «الحركة قبيل دخول القرار حيّز التنفيذ في 15 شباط كانت نشطة إلى حدّ ما؛ لأن الناس لم يكونوا يعرفون كيف سيكون التطبيق، وبالتالي هم سارعوا إلى إتمام عمليات البيع والشراء، وتساهلوا في التفاوض على الثمن»، مستدركاً بأنه «من المتوقع أن يسود شيء من الهدوء حالياً». ويضيف أن «المصرف التجاري يقوم الآن بتحديث النظام المصرفي التقني الخاص به، وسينتهي من ذلك عاجلاً أم آجلاً، ولكن المصرف العقاري والمصارف الخاصة والمصارف الإسلامية جميعها قادرة على التنفيذ فوراً».