انطلقت، أمس، محاولات وساطة تقودها أهمّ منظمتين مهنيتين في البلاد
قراءة القرار من قِبَل بقية الفاعلين السياسيين كانت مختلفة تماماً. اعتبرت أغلب الأحزاب والكتل النيابية المعنيّة بالمشاركة في الحكومة أن «النهضة» سعت إلى «ابتزاز» الفخفاخ بهدف إخضاعه لتوجيهاتها، إضافة إلى نيل النصيب الأكبر من الوزارات للتحكّم في القرار الحكومي من الداخل. أما الأكثر أهمية، فهو تحجيم دور رئيس الجمهورية داخل الحكومة، ولا سيما أنه هو مَن اختار الفخفاخ ويوفر له الغطاء السياسي. بناءً على ذلك، أعلن الفخفاخ، بعد مقابلته مع رئيس الدولة مساء السبت، أنه سيكمل ما بدأه، ودعمته في قراره بقية الأحزاب المشاركة في الحكومة. وجاء هذا القرار بالتنسيق مع سعيّد طبعاً، ما يعني أن الأخير ينوي إبقاء باب التفاهم مفتوحاً في الأيام القليلة المقبلة، وعدم تكليف شخصية أخرى سيكون عليها تشكيل الحكومة في بضعة أيام نظراً إلى ضيق الآجال الدستورية.
السيناريوات المطروحة ليست كثيرة. يمكن أن تعود «النهضة» إلى طاولة التفاوض للبحث عن تنازلات تتمّ بمقتضاها زيادة حصّتها من الوزارات، و/ أو إشراك «قلب تونس» في الحكومة. كما يمكن أن تتمسّك بموقفها الرافض لمنح الثقة، وحينها ستصير الكرة في ملعب رئيس الجمهورية. في حال تَحقّق السيناريو الثاني، يمكن للرئيس أن يحلّ البرلمان ويعلن تنظيم انتخابات تشريعية جديدة في مدّة أقصاها 90 يوماً. وعلى رغم أن غالبية الأحزاب ترفض هذا الخيار خشية تراجع حصيلتها، يبدو أن «النهضة» و«قلب تونس» يتجهّزان له، إذ يبذلان مساعيَ لتعديل القانون الانتخابي، وفرض عتبة انتخابية تمنع مَن يتحصّل على أقلّ من 5 بالمئة من أصوات الناخبين من دخول البرلمان، وبالتالي تقليص حضور الأحزاب الصغيرة والقوائم المستقلة فيه. لكن، يملك الرئيس سلاحاً قد يستخدمه لإخضاع «النهضة»؛ إذ لا يجبر الدستور رئيس الجمهورية على حلّ البرلمان في حال فشلت مساعي تشكيل الحكومة، ما يعني إمكانية إبقاء مجلس النواب الحالي واستمرار عمل حكومة تصريف الأعمال. وذلك خيار لا يعجب «النهضة» و«قلب تونس»، بالنظر إلى أن رئيس حكومة تصريف الأعمال، يوسف الشاهد، يميل إلى صفّ الفخفاخ وسعيّد.
وانطلقت، أمس، محاولات وساطة يقودها «الاتحاد العام التونسي للشغل» و«الاتحاد الوطني للصناعة والتجارة»، وهما أهمّ منظمتين مهنيتين في البلاد، وسبق أن نظّمتا حواراً وطنياً بين الأحزاب عام 2013. وعقب اجتماع مع الغنوشي، اعتبر الأمينان العامان للمنظمتين أنه يوجد مجال للحلّ، خاصة مع وجود بعض الوقت، فيما شدّد رئيس «النهضة» على مطلب حركته تشكيل حكومة وطنية من دون إقصاء، قائلاً إن «نصّ الدستور وروحه يسمحان بإيجاد الحلول المناسبة».