الجزائر | استعاد البرلمان الجزائري جزءاً من حيويته بعد فترة طويلة من السبات، بنزول الحكومة لعرض مخطط عملها وفق ما ينص عليه الدستور الجزائري. واختار الوزير الأول المعيّن حديثاً، عبد العزيز جرّاد، الحديث بلغة صريحة حول الوضع العام للبلاد، مُحمّلاً الحكومات السابقة مسؤولية إيصالها إلى «الكارثة»، على حدّ تعبيره. وقال جرّاد، الذي كان يعمل أستاذاً في العلوم السياسية قبل أن يُختار لتولّي المنصب، إن الجزائر عرفت في السنوات الأخيرة «تسييراً كارثياً للدولة، وممارسات تسلّطية أدّت إلى نهب ثروات البلاد والقيام بعملية هدم ممنهج لمؤسساتها ولاقتصادها بهدف الاستيلاء على خيراتها». وتعهّد الوزير الأول بـ«تطهير هذا الإرث، من خلال بعث ممارسات جديدة تهيّئ الطريق لبلوغ التغيير السياسي والاقتصادي المنشود». وعلى غير عادتهم، ظهر النواب في مناقشتهم لمخطط عمل الحكومة مُتحرّرين من لغة «التزلّف» لها، وناقشوا بحدّة في كثير من الأحيان مضمون برنامجها ووجّهوا إليه انتقادات لاذعة، وخصوصاً لجهة غياب آليات التمويل والاكتفاء فقط بوعود اعتبروها إنشائية وغير قابلة للتطبيق. ويُحاول نواب الأغلبية، من خلال هذا الموقف، كسب بعض المصداقية لدى الشريحة الشعبية التي تنظر بسلبية شديدة إلى البرلمان الذي كان يوصف في فترة الرئيس السابق بأنه مجرد «غرفة تسجيل للقوانين». لكن هذه الانتقادات لا تعني أن النواب يستعدون للتصويت ضدّ مخطط عمل الحكومة، إذ أن الموقف النهائي للأحزاب المشكّلة للأغلبية، وهي «جبهة التحرير الوطني» و«التجمع الوطني الديمقراطي»، يبدي مساندة واضحة للحكومة ويطالب بإعطائها الفرصة كاملة.
وعلى هذا الأساس، لم يجد مخطط العمل صعوبة في حصد الأصوات اللازمة للمصادقة عليه، لتتفرّغ الحكومة من بعد ذلك لإعداد مشاريع القوانين التي تسمح بتنفيذ الإصلاحات الموعودة. وتعتزم الحكومة الجديدة إطلاق مخططات قطاعية استعجالية لتحسين القدرة الشرائية للمواطنين التي عرفت تراجعاً رهيباً في السنوات الأخيرة، وتوفير حدّ أدنى من الخدمة العمومية في المناطق النائية، والسعي إلى بناء اقتصاد يقوم على ثلاثية «التنمية البشرية والانتقال الطاقوي واقتصاد المعرفة». لكن هذه الطموحات تصطدم بواقع مالي شديد الهشاشة في الجزائر، بفعل تآكل احتياطات الصرف التي لم يبق منها سوى ما يكفي لسدّ حاجات الاستيراد لسنة واحدة فقط، ناهيك عن الظرف العالمي الذي أدى إلى تراجع أسعار المحروقات التي تشكّل حصة الأسد من صادرات الجزائر.
بدا أن القضاء أصبح أكثر تسامحاً مع النشطاء، حيث أُطلق سراح الكثير منهم مع منحهم البراءة


ولم يَخُض الوزير الأول كثيراً في الجانب السياسي، الذي تتكّفل الرئاسة بتسييره إعلامياً. وفي الوقت الذي كان فيه نواب البرلمان يناقشون مخطط عمل الحكومة، كان الرئيس عبد المجيد تبون يستقبل رؤساء أحزاب في قصر المرادية للتناقش معهم حول «الوضع العام للبلاد، ومشروع مراجعة الدستور لإرساء الدولة العصرية في جوّ من التوافق الوطني»، وفق ما أُعلن عنه. واستقبل تبون، حتى الآن، عدة قادة أحزاب، مثل جيلالي سفيان رئيس حزب «جيل جديد»، وعبد الرزاق مقري رئيس «حركة مجتمع السلم»، وعبد الله جاب الله رئيس «جبهة العدالة والتنمية»، وعبد العزيز بلعيد رئيس «جبهة المستقبل» ومنافس الرئيس في الانتخابات الأخيرة. كما استقبل وفداً من حزب «طلائع الحريات» الذي كان مؤسّسه، رئيس الحكومة السابق علي بن فليس، قد أعلن انسحابه من الحياة السياسية.
لكن المشاورات الجارية لا تحظى بالإجماع داخل الطبقة السياسية؛ إذ أعلنت عدة أحزاب وتكتلات سياسية مقاطعتها، مثل «جبهة القوى الاشتراكية» أقدم حزب معارض في الجزائر، و«التجمع من أجل الثقافة الديمقراطية» الذي أعلن رئيسه محسن بلعباس أنه يرفض أيّ لقاء مع تبون داخل الأسوار المغلقة ويطالب بحوار مفتوح وشامل يكون منقولاً على القنوات التلفزيونية. أما الحراك، الذي يكاد يقترب من سنويته، فبقي ثابتاً على موقفه الرافض لتبون، الذي يعتبره كثير من المتظاهرين رئيساً منقوص الشرعية لأنه جاء بموجب انتخابات مرفوضة من قِبَلهم. ويُصرّ الحراك على فكرة التغيير الجذري لمنظومة الحكم، وبناء دولة مدنية لا عسكرية، وترك الجزائريين يختارون ممثليهم في انتخابات نزيهة لا تتدخل فيها يد السلطة.
ولم تكسر سكونَ المشهد العام في الجزائر سوى أخبار المحاكمات الجارية لبعض نشطاء الحراك ومسؤولين في نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. وفي الأيام الأخيرة، بدا أن القضاء أصبح أكثر تسامحاً مع النشطاء، حيث أُطلق سراح الكثير منهم مع منحهم البراءة، ومن أبرزهم سمير بلعربي الذي مكث قرابة 5 أشهر في الحبس الموقّت. كما لقي إطلاق سراح زعيمة حزب «العمال»، لويزة حنون، ارتياحاً كبيراً لدى مناضلي حزبها، بعد 9 أشهر قضتها في السجن. وتعود قضية السياسية التروتسكية إلى أيام الحراك الأولى في شهر آذار/ مارس، بعد اتهامها بـ«التآمر على سلطة الدولة والجيش»، إثر لقائها السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق، وقائد المخابرات الأسبق محمد مدين المعروف بـ«الجنرال توفيق». واتُّهم الثلاثة بمحاولة إزاحة رئيس أركان الجيش الراحل، الفريق أحمد قايد صالح، من منصبه، وترتيب مرحلة انتقالية يقودها الرئيس الأسبق، إليامين زروال. لكن محامِي حنون قادوا حملة دفاع وطنية ودولية عنها، واعتبروا سجنها «تجريماً للعمل السياسي»، ونفوا تماماً أن يكون لقاؤها بوتفليقة ومدين تآمراً على البلاد، بل كان بهدف طرح وجهة نظرها في حلّ الأزمة السياسية، بحسبهم. ونجحت هذه الحملة في تبرئة حنون من تهمة التآمر وإطلاق سراحها، في حين رفضت محكمة الاستئناف العسكرية تخفيف تهم بوتفليقة والجنرال توفيق وقائد المخابرات السابق بشير طرطاق، وثبّتت في حقهم عقوبة 15 سجناً نافذاً.