ويأتي تعيين ولي العهد في رئاسة اللجنة التنفيذية العليا في «مجلس الدفاع» في ظلّ أحاديث متواترة عن معاناة والده من مرض لم يكشف عن تفاصيله. ويقول مراقبون إن التشكيلة السباعية للجنة المستحدثة تعكس المزاج الراديكالي للملك، إذ، إضافة إلى ولي العهد، تضمّ اللجنة الجديدة في عضويّتها ثلاثة من أقطاب ما يُعرف بـ«جناح الخوالد»، الأكثر تشدّداً في العائلة الحاكمة، وهم: وزير الديوان الملكي خالد بن أحمد، الذراع اليمنى للملك، وشقيقه الأصغر قائد الجيش خليفة بن أحمد، المساهم الأبرز مع ملك البلاد في إنشاء «قوة الدفاع» بتركيبتها المثيرة للجدل (التي تحوي كثيراً من المجنّسين، مقابل إقصاء المواطنين الشيعة)، إضافة إلى رجل الظلّ القوي أحمد بن عطية الله، والذي يُعدّ الرئيس التنفيذي لـ«خلية البندر» المتهمة بالعمل السري للإضرار بالوحدة الوطنية. كما تضمّ اللجنة الأخ غير الشقيق لولي العهد، ناصر بن حمد، الذي حُدّ من نشاطه بشكل ملحوظ. ويُعتقد أن الملك حمد عمل بشكل دؤوب على ردع الفعّالية السياسية لابنه ناصر، ومنعه من منافسة ولي العهد، أو أن يشكل تهديداً فعلياً للحاكم التالي المفترض للبلاد. والشخصية السادسة في اللجنة هو وزير الداخلية، راشد بن عبدالله، المقرّب من القصر. أما الشخصية السابعة فهو وزير المالية، سلمان بن خليفة، الرجل الأكثر قرباً من ولي العهد.
يمكن توقّع مرحلة تصفيات جديدة سيقوم بها ولي العهد في حال وصوله إلى سدّة الملك
ومنذ عام 2013، تمّ تكريس ولي العهد رئيساً فعلياً لمجلس الوزراء. ومع إعلان هذه اللجنة المستحدثة، قُطع الشكّ باليقين في شأن مدى هيمنته على المؤسسة العسكرية. كما يمهّد التعيين الجديد لانتقال سلس للسلطة، في حال شغور موقع الملك. لكن هذا لا يعني أن الطريق سالكة في مواجهة أجنحة الحكم المتعدّدة، إذ يمكن توقّع مرحلة تصفيات جديدة سيقوم بها ولي العهد في حال وصوله إلى سدّة الملك، قد يستغرق الانتهاء منها سنوات. ويسود قلق الأوساط الشعبية المختلفة، الموالية والمعارضة على السواء، في شأن النهج الاقتصادي الذي يتبعه ولي العهد، الذي يتجاهل مفهوم «العدالة الاجتماعية» الراسخ دستورياً، وارتفع في ظلّ سياساته المالية الدين العام، وزادت العجوزات والضرائب. كذلك، خاب ظنّ أطراف معارضة في ولي العهد، مع تبنّيه مواقف متشدّدة من القوى الحزبية المعارضة، تأثّراً على ما يبدو بالتحالف مع أبو ظبي والرياض.
ولا تضمّ اللجنة المستحدثة أيّاً من الشخصيات الشيعية أو السنية البارزة، وهي صفة اتّسم بها «مجلس الدفاع الأعلى». كما لا تضمّ أيّاً من الشخصيات المقرّبة من رئيس الوزراء، خليفة بن سلمان، الذي يعاني هو الآخر من أمراض مزمنة، تُقعده حتى عن القيام بأدواره الشكلية في ترؤس الاجتماعات الدورية لمجلس الوزراء. وعلى عكس ما يتردّد في بعض أجهزة الإعلام من حديث عن نفوذ واسع لرئيس الوزراء، فقد تمكّن الملك حمد من حسم الصراع مع عمّه في السنوات الأولى من وصوله إلى الحكم قبل نحو عقدين من الزمن. ويمكن اعتبار التصويت على ميثاق العمل الوطني، في عام 2001، أبرز الخطوات نجاعة في صراع الأجنحة، حيث تمّ تجيير التصويت الإيجابي على «الميثاق»، بنسبة 98.4 ٪، باعتباره دعماً شعبياً للملك الجديد ومشروعه الإصلاحي المفترض ضدّ «مرحلة أمن الدولة» (1975 - 2001)، التي لصقت أوزارها برئيس الوزراء، الرجل القوي إبّان حكم الأمير الراحل عيسى بن سلمان (توفي سنة 1999). ودعمت قوى المعارضة الملك في حربه ضدّ عمه، لأنها كانت ترى أن رئيس الوزراء وراء تعليق العمل بالدستور في منتصف سبعينيات القرن الماضي. وبعد أن استتبّ له الأمر، انقلب الملك على عمّه والمعارضة، واستعان بالجيش في تهميشهما. وظلّ الجيش بعيداً عن نفوذ خليفة بن سلمان، إذ اقتضى توزيع السلطة بين الراحل الأمير وشقيقه رئيس الوزراء أن يحتفظ الأمير المهمّش لابنه حمد بولاية العهد، والسيطرة على الجيش.
ومع تبوّئه السلطة، وسيادة مقولة «مات الملك... عاش الملك»، الراسخة عادة في العوائل الملكية، لم تكن سيادة الملك الجديد إلا مسألة وقت، حُسمت تالياً عبر تغيير الدستور (2002) الذي قوّى مركز الملك، وأحال مجلس الوزراء إلى «مساهم» في رسم سياسة الدولة، بعد أن كان «مهميناً» عليها، بحسب نص دستور 1973. وتوالت خطوات الملك بإجراء تغييرات وزارية أطاحت المقرّبين من رئيس الوزراء تباعاً، وتمّ أغلب ذلك خلال السنوات الخمس الأولى من وصول الملك حمد إلى السلطة. وفي ظلّ هذا الصراع، زيدت تباعاً صلاحيات «مجلس التنمية الاقتصادية» الذي يديره ولي العهد، في محاولة لتشديد الخناق على رئيس الوزراء. وأدّت حدة الصدام إلى صدور توبيخ علني على صفحات الجرائد من الملك لرئيس الوزراء (كانون الثاني / يناير 2008)، ودعوته إياه إلى «الانصياع» لأوامر ولي العهد، الذي أنيط به رسم السياسة الاقتصادية للبلاد، فيما هُدّد الوزراء بالإقالة في حال عطّلوا قرارات ولي العهد، ووحدة القرار الاقتصادي. وعُيّن ولي العهد، في عام 2013، نائباً أول لرئيس الوزراء، مع تسليم الأخير بحقيقة أرجحية الملك. وباستثناء لحظة 2011، التي اهتزّت فيها صورة ولي العهد داخل الطبقة الحاكمة والجيش لأسباب عديدة، فقد استعاد الرجل بريقه سريعاً، ثم عزّز تموضعه مدعوماً بوليَّي عهدَي السعودية وأبو ظبي.