تونس | فشلت دعوة النائب في المجلس الوطني التأسيسي عن حزب النضال التقدمي هشام حسني إلى اعتصام للنواب أمس في قصر المجلس لإجبار رئيسه على تمرير قانون العزل السياسي للمصادقة.
فشل الدعوة ترجم حجم التجاذبات التي يشهدها الشارع السياسي في تونس. فبعد التوافق على الدستور، جدّدت كتلة حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي يترأسه شرفياً الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي، الدعوة إلى تضمين القانون الانتخابي فصلاً يتعلق بإبعاد أنصار نظام زين العابدين بن علي عن خوض الانتخابات القادمة، وذلك تفعيلاً للفصل ١٥ من القانون الانتخابي السابق الذي تم بموجبه إبعاد الآلاف من الذين تحملوا مسؤوليات في النظام السابق في مختلف المستويات عن خوض الانتخابات، وهو ما مكّن أحزاب الترويكا الثلاثة من الفوز بأغلبية المقاعد في المجلس التأسيسي الذي يمثل مصدر كل السلطات، وبالتالي تشكيل الحكومة وتسلم رئاسة الجمهورية.
تجديد المطالبة بإبعاد أنصار النظام السابق لم يعد يحظى بالإجماع، إذ تراجعت حركة النهضة عن المطالبة به، معتبرةً أنه يتعارض مع روح الدستور الذي تضمن فصولاً تؤكد أحقية كل المواطنين بالمشاركة في الحياة السياسية. كذلك تخلت عنه الحركة الشعبية (ائتلاف أحزاب يسارية وقومية) التي كانت من أكثر المتمسكين به، وقد رأت الحركة في تصريحات لقيادييها أن الديموقراطية تتعارض مع العزل والإقصاء السياسيين، بل إن الرئيس المؤقت للبلاد، المعروف بمعاداته الشرسة للنظام السابق ودفاعه عن قانون العزل السياسي في الانتخابات القادمة، تراجع عن هذه الدعوة ورأى أنها أصبحت الآن بلا معنى. نظرياً، يبدو أن فصل إقصاء أنصار النظام السابق من الذين تحمّلوا مسؤوليات طيلة ٢٣ عاماً من حكم زين العابدين بن علي لا يمكن أن يحظى بتصويت الثلثين ما دامت «النهضة» التي تملك ٩٠ مقعداً وحدها من جملة ٢١٧ تخلت عن المطالبة بهذا الفصل. أما سياسياً، فإن فشل الترويكا خلال عامين من الحكم وانهيار الحياة الاقتصادية والوضع الأمني، كل هذا خلق وضعاً سياسياً جديداً استغله «الدساترة» الذين حكموا البلاد طيلة 56 عاماً للعودة بقوة إلى الشارع والإعلام موزعين على ثلاثة أحزاب أساسية، وهي نداء تونس برئاسة الباجي قائد السبسي، والمبادرة الوطنية الدستورية برئاسة كمال مرجان آخر وزير للخارجية في عهد بن علي، والحركة الدستورية برئاسة حامد القروي رئيس وزراء بن علي لمدة عشر سنوات، ويضم الحزب عدداً من القياديين الذين كانوا نافذين في عهد بن علي.
هذا المشهد الجديد أثار مخاوف بعض القوى، وخاصة حزب المؤتمر من أجل الجمهورية والأحزاب المنشقة عنه، وكذلك قوى أقصى اليسار والقوميين مثل حركة الشعب (ناصريون) من عودة النظام السابق من خلال الانتخابات بعد أن تآكلت شعارات الثورة التي أصبح عدد كبير من التونسيين ومن الناشطين السياسيين يعتبرونها مجرد انقلاب غير معلن تم بأياد خارجية. العودة الملحوظة لأنصار النظام السابق وقياداته في الحياة السياسية تكشف عن تغير تام في المشهد السياسي، إذ تراجعت النبرة الثورية ولم يعد أغلب التونسيين يرون في أنصار النظام السابق شياطين، بعد أن أصبح أمنهم مهدداً والاقتصاد في أزمة حقيقية. ويطرح هذا التجاذب السياسي الذي يعيشه الشارع التونسي سؤالاً كبيراً عن حقيقة الثورة والفاعلين فيها، وحقيقة فرار بن علي، وهو السر الذي لم يصل التونسيون إلى حد الآن إلى كشف تفاصيله.