لعلّ من أبرز ما تتّسم به «صفقة القرن» هو تماهيها الكامل مع مزاعم صهيونية عن حقوق تاريخية في الضفة المحتلة، وبذلك يكون طارحها، أي دونالد ترامب، أوّل رئيس للولايات المتحدة يمنح إسرائيل هذا النوع من الاعتراف. في السابق، كان الوقوف إلى جانب المطالب الإسرائيلية يُبرّر، على مستوى الخطاب السياسي، بأنه ترجمة لقرارات دولية، وفي أقصى الأحوال يُربط بما تعرّض له اليهود في أوروبا، فيما كان اليمين الإسرائيلي يعارض حصر منطلق حق إسرائيل في الوجود بما تقدّم، مشدّداً على أن إقامتها أتت ترجمة لحق الشعب اليهودي في استيطان أرض فلسطين، وهو ما أشار إليه ديفيد بن غوريون في بيانه الأول لإعلان «دولة إسرائيل» عام 1948.نتنياهو تعمّد، خلال كلمته في حفل إعلان الصفقة، الإشارة إلى ما أورده ترامب في هذا المجال، حيث قال: «بسبب الاعتراف التاريخي، ولأنني أؤمن بأن خطة السلام التي قدّمْتَها (أي ترامب) وجدت التوازن الصحيح في الوقت الذي فشلت فيه خطط أخرى، وافقت على إدارة مفاوضات مع الفلسطينيين على قاعدة خطتك للسلام»، عازياً فشل الخطط السابقة إلى أنها «لم تنجح في العثور على التوازن الصحيح بين المصالح الأمنية والقومية لإسرائيل، وبين طموحات الفلسطينيين في تقرير مصيرهم»، مشيراً إلى أن ترامب تحوّل إلى الزعيم الأول في العالم الذي «يعترف بسيادة إسرائيل على أجزاء من الضفة الغربية الحيوية لأمننا والمركزية لتراثنا». كذلك، اعتبر نتنياهو، خلال لقائه ترامب قبيل الحفل، أن أهمّ ما قام به الرئيس الأميركي هو «اعترافه بحقوق اليهود على يهودا والسامرة (يعني الضفة)، القلب النابض لوطنهم التوراتي».
من جهة أخرى، ومع أن توقيت الصفقة والطابع الذي اتسمت به يخدمان نتنياهو وترامب في استحقاقاتهما الداخلية، إلا أن حصر النظرة إليها بهذا البعد ينطوي على مخاطر فعلية، فضلاً عن كونه تبسيطاً، خاصة أنها لبّت مطالب إسرائيل التوسعية السياسية والأمنية. في هذا المجال، رأى رئيس تحرير صحيفة «هآرتس»، ألوف بن، أن إسرائيل «لم تدفع سوى ضرائب كلامية لقرار مجلس الأمن 242، الذي كان يشكل الأساس لمعادلة الأرض مقابل السلام»، فضلاً عن معارضتها مئات القرارات الأخرى لهيئات دولية رفضت الاحتلال والاستيطان في المناطق الفلسطينية المحتلة لأنها غير قانونية، لكن البيت الأبيض منح للمرة الأولى الشرعية لفرض القانون الإسرائيلي على المستوطنات وغور الأردن. ولفت بن إلى أن «التجديد الأساسي في الخطة الحالية، مقارنة بمقترحات بيل كلينتون وجورج بوش وباراك أوباما، أن البلدة القديمة في القدس ستبقى تحت سيطرة إسرائيل، عبر منح حكم ذاتي للأوقاف والأردن في الحرم القدسي، مقابل صلوات اليهود هناك... عاصمة فلسطين ستكون في أحياء الأطراف، خلف الجدار الفاصل»، مشيراً إلى تجديد آخر «لا يقلّ أهمية، هو شطب المطلب الفلسطيني بعودة لاجئين أو دفع تعويضات كبيرة». لذلك، اعتبر رئيس تحرير «هآرتس» أن نتنياهو حقّق حلمه بعد ساعات معدودة من تقديم لائحة الاتهام ضدّه إلى المحكمة المركزية في القدس، وخلص إلى أن «خطة ترامب لن تحقق بسرعة سلاماً بين إسرائيل والفلسطينيين، والأكثر معقولية أنها ستعبّد الطريق إلى حكومة وحدة بين الليكود وأزرق أبيض اللذين يتفقان حالياً على سياسة الخارجية والأمن، لكن يبقى إيجاد الصيغة والمسار لإزاحة نتنياهو من الطريق».
الصفقة لمصلحة إسرائيل، لكن مشكلتها أنه «لا يوجد أيّ احتمال واقعي لتحققها على الأرض»


أما المحلل السياسي في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، ناحوم برنياع، فرأى أن الصفقة أنهت مشروع «حلّ الدولتين»، وأن ما سيتحقق فعلياً هو دولة واحدة ستسيطر على المساحة الممتدة بين البحر (المتوسط) والنهر (نهر الأردن). وقال برنياع إن الصفقة «ليست خطة سلام، بل خطة ضمّ»، لافتاً إلى أن إسرائيل ستنفذ خطوات أحادية الجانب: في المرحلة الأولى ستضمّ الكتل الاستيطانية وغور الأردن، وفي الثانية ستضمّ «المستوطنات المعزولة» والشوارع التي تقود إليها، وفي النهاية سيتشكّل بالضرورة واقع يتمثل في منظومتين قانونيتين لمجموعتين سكانيتين في المنطقة نفسها، أي «دولة أبارتهايد». وأشار إلى أن نتنياهو حصل من واشنطن على ما لم يتحقق سابقاً: اعتراف بسيادة إسرائيل في شرقي القدس حتى الجدار الفاصل، اعتراف بالسيطرة الأمنية على الضفة كلّها، تبادل أراضٍ على أساس غير متساوٍ، إضافة إلى شروط مسبقة لن يكون بإمكان أيّ قيادة فلسطينية الموافقة عليها.
من جهته، اعتبر المحلل السياسي في صحيفة «معاريف» أن الصفقة لمصلحة إسرائيل، لكن مشكلتها أنه «لا يوجد أيّ احتمال واقعي لتحققها على الأرض»، موضحاً أنه «في المرحلة الأولى، ستساعد الصفقة على فرض السيادة على مناطق أخرى، لكن في ما يتعلق بالأمدين المتوسط والبعيد، سيتقرر ذلك لاحقاً». وبالمقارنة مع خطاب نتنياهو في جامعة بار إيلان عام 2009، اعتبر أن خطة ترامب تطبيق له لجهة أن هذه «الدولة» الفلسطينية هي التي سعى إليها رئيس الحكومة. عموماً، أياً كانت التقديرات الإسرائيلية إزاء المرحلة المقبلة، الواضح أن إعلان الصفقة، بالمضمون الذي حملته، شكّل محطة تأسيسية إضافية في سياق حركة الصراع على أرض فلسطين، ستكون لها مفاعيلها على أكثر من مسار إسرائيلي داخلي، وفلسطيني وإقليمي.