اليوم هو الموعد المرتقب منذ ثلاث سنوات لإعلان الشقّ السياسي من «صفقة القرن». الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حدّد الموعد بالساعة (السابعة مساء بتوقيت فلسطين)، مضيفاً على ذلك تصوراته عن الصفقة وكيف يجب أن يكون رأي الأطراف المعنية فيها حتى قبل أن تُعلن بنودها، إذ أوضح أنها «ستُرضي (أولاً) الفرقاء السياسيين في إسرائيل»، كأنهم على خلاف حول احتلال فلسطين وتهويد كل ما فيها. ترامب تحدث بزهوٍ وهو يستقبل «صديقه»، رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، كما وصفه، قائلاً إن «ذلك (إعلان الخطة) سيكون رائعاً... هي خطة مهمة للشرق الأوسط سيحبها نتنياهو وخصمه»، في إشارة إلى «الضيف» الثاني، وهو رئيس تحالف «أزرق أبيض» المنافس لنتنياهو في الانتخابات، بيني غانتس. كما هو متوقّع من نتنياهو، أثنى الأخير على الخطة قائلاً: «صفقة القرن هي فرصة القرن ولن نتنازل عنها»، مخاطباً الرئيس الأميركي: «شكراً على كل ما فعلته من أجل إسرائيل، وآمل أن نتمكن غداً (اليوم) من مواصلة صناعة التاريخ».وبينما عبّر ترامب عن «أمله» في أن يقبل الفلسطينيون الصفقة ويوافقوا عليها، وبالأحرى يفرحوا بها، دعت القوى الفلسطينية إلى اعتبار الثلاثاء «يوم غضب شعبي وجماهيري واسع»، معتبرة الإعلان الأميركي «عدواناً احتلالياً»، ومضيفة في بيان أمس: «سيقول الشعب الفلسطيني بكلمة موحدة إنه لن يسمح بمرور الصفقة وإنه قادر على إسقاطها كما أسقط المشاريع السابقة». بالتوازي مع ذلك، أعلن رئيس السلطة، محمود عباس، أنه دعا القيادة «لاجتماع عاجل غداً (اليوم) السابعة مساء في مقر الرئاسة»، بالتزامن مع موعد إعلان الصفقة. وأبلغ عباس «قيادات فتحاوية كبيرة»، كما تنقل مصادر صحافية، أنه تلقّى «تهديدات بدفع ثمن عدم رده على اتصال هاتفي من ترامب طوال اليومين الماضيين»، في وقت أعلن فيه «المجلس الثوري لفتح» استنفار الحركة كلياً «لمواجهة تحدي صفقة القرن، ومقاومة إجراءات ترامب بكل الوسائل المشروعة».
أقصى ما قدمته السلطة هو أن ترفع يدها عن منع المسيرات


من جهة أخرى، وتعليقاً على التمهيد عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية والأميركية للصفقة وبنودها، رأت الفصائل في بيانها أنها «ضجّة مفتعلة» لأنه أصلاً تم تنفيذ أجزاء كبيرة من الصفقة طوال السنين الماضية. كما أعلنت أنها ستعتبر اليوم وغداً (الثلاثاء والأربعاء) «أيام غضب في جميع الساحات، واشتباك ميداني واسع ومفتوح في جميع نقاط التماس»، داعية رئيس السلطة إلى «عقد اجتماع قيادي عاجل... وصوغ الاستراتيجية الوطنية الكفاحية للتصدي لهذه الصفقة وجرائم الاحتلال على الأرض». يأتي ذلك بعد يوم من إعلان رئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، إسماعيل هنية، جهوزية حركته للقاء عاجل مع «فتح» والفصائل كافة «لنرسم طريقنا ونملك زمام أمرنا، ونتوحد في خندق الدفاع عن قدسنا وحرمنا وحرماتنا، ولنعلنها مدوية أن الصفقة لن تمر وأن التراجع عن مواجهتها حرام على الفلسطينيين».
كذلك، دعت «الجهاد الإسلامي» والجبهتان الشعبية والديمقراطية وفصائل أخرى لـ«سرعة عقد الإطار القيادي الموحد (لمنظمة التحرير) وإنهاء الانقسام والبدء بخطوات عملية لمواجهة الإعلان الأميركي كخطوة أولى»، لكن ذلك كله لم تعقب عليه «فتح» أو عباس، في وقت قال فيه الأخير إنه تلقى اتصالاً من وزير الخارجية البريطاني، دومينيك راب، أبلغه فيه أن «الموقف الفلسطيني الثابت المتمسك بحل الدولتين على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ودون ذلك لن نقبل أي صفقة من أي جهة في العالم».
بالتوازي مع دعوة الضفة والقدس وغزة وأراضي 48 والشتات للخروج في مسيرات حاشدة لحظة إعلان الصفقة، نقلت مصادر أن رئاسة السلطة أبلغت المصريين أنها ستدع الفلسطينيين يعبرون على طريقتهم عن رفضهم للصفقة، وأن أمن السلطة لن يمنعهم من الوصول إلى نقاط التماس، في وقت نقل فيه الصحافي الإسرائيلي جال بورغر عن مصدر أمني كبير في السلطة، أن «الأوامر (التي وصلتهم) هي تنظيم تظاهرات سلمية من دون استخدام أسلحة». وضعٌ قابلتها إسرائيل بـ«رفع الجهوزية في الضفة» وتكثيف قوات الجيش وانتشاره العسكري في مناطق التماس وعلى الطرقات «خشية وقوع صدامات كبيرة» مع الفلسطينيين. كما لوحظ زيادة في عدد الحواجز العسكرية، ونصب بعض نقاط المراقبة في التلال والأماكن المرتفعة، خاصة بين محافظتَي بيت لحم والخليل جنوبي الضفة.
مع ذلك، يخشى الكثير من الفلسطينيين أن يكون رد الفعل ضعيفاً أمام الإعلان الأميركي وألا تتعدى القضية اجتماعات لـ«منظمة التحرير» وأخرى للفصائل من دون نتائج سوى مسيرات سرعان ما تخفت حدتها بعد أيام قليلة كما حدث عند إعلان ترامب أن القدس «عاصمة لإسرائيل». وتوجد خشية من أن يكون توقع الرئيس الأميركي، أنه «من المرجح ألا يقبل الفلسطينيون خطة السلام في البداية لكنها جيدة لهم ولن ننفذها دونهم»، في محله، خاصة أن الموقف الفلسطيني الرسمي أكد «استمرار المواجهة السلمية». في هذا الإطار، قال القيادي في «الجهاد» أحمد المدلل، أمس، إنه «لم يبقَ أمامنا إلا المواجهة. لا وقت للاستجداء والتنطّع بالشرعية الدولية والأمم المتحدة والتودد لمن كانوا سبباً في نكبتنا»، مضيفاً: «من العار أن يظل البعض ضارباً رأسه بالحائط كأنه لا يحدث شيء من حوله... هذا انحراف وتهاوٍ لن يفيد صاحبه ويمثل الضرر الأكبر للقضية».

تثير دعوة «داعش» لمهاجمة المستوطنات الآن الشكّ لدى أمن المقاومة


بجانب هذه التطورات، نقلت وكالة «رويترز» تسجيلاً صوتياً قالت إنه بُثّ أمس، لمتحدث باسم تنظيم «داعش» يُدعى «أبو حمزة» يطلب فيه من أتباع التنظيم «مهاجمة اليهود والمستوطنات وإفشال خطة... ترامب، واسترداد ما سلبوه من المسلمين»، مضيفاً: «ندعوكم إلى الالتحاق بجنود الخلافة الذين يسعون لإزالة الحدود والسدود التي تحول بينهم وبين نزال اليهود». وبينما يعتبر هذا التصريح لافتاً في توقيته ومضمونه، ترى مصادر أمنية في المقاومة أن هذا التزامن قد لا يكون بريئاً، خاصة إذا رُبط بينه وبين الحديث عن نزع سلاح المقاومة، إذ أن «أي هجمات باسم داعش على مستوطنات يعني جلب التحالف الدولي والأميركيين للعمل بيدهم في فلسطين... قد يكون سيناريو مستبعداً لكنه ليس مستحيلاً».
بالنسبة إلى بنود الصفقة، فإن ما نقله الإعلام الأميركي أمس لم يختلف كثيراً عما نقله الإعلام العبري طوال يومين. وقالت مجلة «بوليتيكو» إن المرحلة الانتقالية لتنفيذ الخطة عمرها أربع سنوات، والهدف منها «انتظار متغيّرات سياسية قد تدفع السلطة الفلسطينية إلى التخلي عن موقفها الرافض للخطة حالياً». كما أعادت المجلة ذكر أن الوضع في القدس يبقى تقريباً على ما هو عليه مع «تشكيل إدارة إسرائيلية ــــ فلسطينية مشتركة للمسجد الأقصى وبقية الأماكن المقدسة، على أن تكون عاصمة الدولة الفلسطينية بلدة شعفاط (شمالي القدس)».
إلى ذلك، وفي قضية يراها الغزيون مرتبطة بالمسار العام لتهدئة القطاع وإبعاده عن أي مواجهة كبيرة، كشفت مصادر في «اللجنة القطرية لإعمار قطاع غزة»، مباشرتها العمل على وضع المخطّطات الهندسية النهائية وطرح مناقصة للبدء ببناء مستشفى مركزي في مدينة رفح (جنوب)، بعد صدور توجيهات من أمير قطر، وذلك بمبلغ يُقدر بـ24 مليون دولار، جراء طلب من إسماعيل هنية قدمه إلى تميم بن حمد الشهر الماضي.