حلب | يقترن اسم أرض الحمرا مع جبل بدرو، وهما حيّان شعبيان يقعان على أرض زراعية. هنا تختلط المعامل بالمنشآت الحرفية، إلى جانب البيوت السكنية. معظم العائلات في الحيّ الأول الذي حرّر شمال شرق حلب أتت من أرياف شمالي وشمالي شرق حلب، مع وجود نسبة قليلة من سكان أحياء حلب القديمة الذين هجروها واشتروا قطع أرض لبناء دور عربية بعيداً عن الأبراج السكنية.
الطريق إلى أرض الحمرا التي استعادها الجيش قبل أكثر من أسبوع، والتي تبعد أقل من ثمانية كيلومترات عن مركز مدينة حلب، يحتاج الوصول إليها عادة إلى عشر دقائق فقط، لكنها أصبحت تستغرق حوالى ساعة بسبب الطريق الالتفافية حول المدينة من جنوبها الغربي إلى أقصى شرقها. خمسة كيلومترات فقط هي المسافة بين أرض الحمرا التي دخلناها من جهة الشرق ومستديرة الصاخور غرباً في قلب المدينة.
العملية الخاطفة التي شنّتها وحدات النخبة في الجيش اعتمدت على عنصري التضليل والزج بالقوات على محاور متعددة مع كثافة النيران، ما أدىّ الى تحرير تلة بركات والانطلاق الى أرض الحمرا، ومن ثم محاصرة المسلحين جنوب المنطقة، والاندفاع إلى السكن الشبابي في المعصرانية جنوب طريق الصاخور _ المطار، حسب رواية أحد القادة الميدانيين. ثمّ تقدمت وحدات الجيش في أرض الحمرا حتى معمل الحصر، الذي يبعد نحو كيلومتر واحد عن طريق مساكن هنانو، الذي يصل بين تلك الضاحية الشهيرة وطريق الصاخور، فيما تتمهل في دخول منطقة جبل بدرو.
تبدو معنويات الجنود وضباطهم عالية، وثقتهم بالانتصار مطلقة: «لم نشعر يوماً بقرب النصر وحتميتهم كما نشعر الآن. هم يفرون أمامنا متنقلين بين منازل المواطنين الذين طردوهم»، يروي القائد الميداني الذي أشرف على العملية. ورأى أنّ عملية التضليل حققت نجاحاً باهراً، خصوصاً بعد أن تمّ حشد قوات كبيرة في جنوب المنطقة، ثمّ الهجوم من الشمال والشمال الغربي على أربعة محاور في الوقت نفسه.
هذا الهجوم أحدث صدمة للمسلّحين، ما أدّى إلى انهيارهم بشكل سريع، فيما وقع عدد كبير منهم بين «فكي كماشة»... فتركوا سياراتهم محاولين الفرار عبر الثغر التي حفرت بين الأبنية، حسبما يروي العسكريون.
استغرقت المواجهة الفعلية «نحو ثلاث ساعات فقط، سقط خلالها عشرات القتلى من المسلحين»، يقول أحمد، المجند الذي انتهت خدمته منذ سنتين وهو الآن في الاحتياط. لم تكن السيطرة على ما مساحته أربعة كيلومترات مربعة من دون خسائر بشرية تكبّدها الجيش. فالهجوم الصاعق، وفق الضابط المسؤول، «لم يسقط فيه شهداء في البداية، لكن أربعة بينهم ضابط سقطوا خلال تفكيك عبوة ناسفة كانت مجهزة لاسلكياً، وتم الإيقاع بمجموعة من القوات فور دخولها إلى أحد المباني». أحد القادة الميدانيين كشف أنّ «المسلحين تركوا خلفهم نحو 500 عبوة ناسفة، كان مخططهم الاعتماد عليها لوقف تقدمنا، لكننا غيّرنا أسلوب الهجوم فانهاروا».
وبعد السيطرة على الأرض سارع الجنود إلى بناء الدشم والتحصينات لتثبيت سيطرتهم على المنطقة.
وفيما يجول قائد آخر على المباني الاستراتيجية، يؤكد ضرورة التحصين وحماية مرابض الرشاشات: «لا أريد أن يصاب أي منكم ولو أمطرت هاونات على البناء».
بين الشوارع «المحررة»، انتصبت بين الأشجار راجمة أسطوانات غاز وقد تحطمت فوهاتها بفعل صاروخ للجيش. يتبيّن أنّ المسلحين «تفنّنوا» في تطوير «مدفع جهنم» الذي أصبح يتكوّن من أربعة فوهات مطلية بشكل مموّه ومحمول على عربة.