الزارة | بعد اثنين وخمسين يوماً من المعارك نجح الجيش السوري، أول من أمس، في السيطرة على بلدتي الزارة والحصرجية في ريف حمص. المعركة التي احتدمت في قرية الزارة التركمانية كلّفت الجيش السوري وقوات «الدفاع الوطني» عشرات الشهداء منذ بدء الاشتباكات أواخر كانون الثاني الماضي.
لكن «لن يحطّ رجال الجيش رحالهم قبل الوصول إلى الحصن»، يقول أحد الضباط، مضيفاً: «نعم انتهت معركة الزارة واستطعنا السيطرة على قرية الحصرجية أيضاً. هدفنا القادم قرية شواهد لنصبح على تخوم الحصن خلال أيام».
عدد الشهداء تقلّص بعد الأسبوع الأول من المعارك، ليصل في اليوم ما قبل الأخير لانتهاء العملية في الزارة إلى شهيد واحد من «قوات الدفاع الوطني»، أما اليوم الأخير فكانت حصيلته 6 جرحى من الجيش و«الدفاع الوطني». اليوم كل المؤشرات الميدانية تدل على استمرار العمليات حتى إقفال جبهة الحصن كليّاً، وإنهاء معارك ريف حمص الغربي.

طريق العبوات... والغاز

بداية الرحلة إلى مركز الاشتباكات العنيفة في القرية تنطلق من البردعيات، قرية مجاورة مليئة بالمداجن التي شهدت مطاردات بين عناصر الجيش ومسلحي «جبهة النصرة» و«جند الشام». الطريق الذي كان يتعرّض للقنص خلال المعارك العنيفة يؤدي إلى حي اليمني، ما يعني المضيّ في محاذاة مناطق الاشتباك، حيث يمكن تمييز سلسلة بيوت أكثر فخامة، في ما يُعرَف بـ«قصر اليمني». الطقس المتقلّب والهواء الشديد يوحيان بالكثير من الأمطار القادمة.
الرصاص الفارغ يغطي الأرض، بينما الدخان الكثيف جرّاء الصواريخ والانفجارات يغطي الأجواء. يمكن الوقوف خلف متراس ترابي لمشاهدة جنود الجيش يرفعون علم بلادهم على أعلى نقطة مما تبقى من برج الزارة الأثري.
الخطورة الرئيسية في الزارة تكمن في العبوات الناسفة التي خلّفها المسلّحون في كل مكان. خبراء نزع الألغام ينهمكون في تفكيك العبوات، تمهيداً لدخول وسائل الإعلام وفرق إعادة الخدمات إلى القرية المنكوبة التي تحتوي أهم نقاط الغاز والكهرباء والنفط في سوريا. ولا بدّ للوصول إلى برج الزارة الأثري من استبدال الطريق، بطريق أسهل، عبر قرية عرنة، خشية أيّ مفاجآت غير محسوبة العواقب، ريثما ينتهي الجيش من تمشيط المنطقة بالكامل.
الرحلة إلى البرج تتطلّب السير على الأقدام لعبور المتاريس والأنفاق الكثيرة التي خلّفها المسلّحون. التحذيرات كثيرة ومتكررة من العبوات الناسفة المزروعة في كل مكان. مدرّجات زراعية مزينة بصخور فاصلة بين كل صف من الأشجار. يشرح أحد الضباط ذكريات معارك الأيام الماضية، حين اضطر عناصر الجيش إلى استخدام الجرّافات لإزالة تحصينات المسلّحين. كل 10 أمتار، هُنا، تطلّبت عملية مشابهة، بحسب الضابط، ما أدى إلى تأخر انتهاء العملية العسكرية في البلدة الاستراتيجية. شجر الزيتون الكثيف على هذه التلة كان بمثابة ساتر طبيعي للمقاتلين السوريين المتقدمين تحت نيران القنص من قرية الحصرجية. على برج الزارة الأثري يقف جنود يرفعون العلم السوري ويلتقطون الصور التذكارية. البرج كلّف الكثير من الوقت والجهد للسيطرة عليه بسبب تمترس عشرات المسلحين فيه، وكشفهم أماكن عناصر الجيش في الأسفل. لا بُدّ من السير خلف الضابط للوصول إلى بساتين الزيتون التي تفصل البرج عن الحصرجية التي لم تكن سوى قرية صغيرة بين تلّتين تحتوي بيوتاً متفرقة تشهد أعنف الاشتباكات. تعقّب آثار خطوات الضابط يفيد في تجنّب العبوات المزروعة بين الأعشاب، حتى يشعر المرء أن لحظة الانفجار قريبة. عند الخروج من الزارة لا بدّ من المرور بالدبّابتين اللتين تمكن المسلحون من ضربهما خلال أيام المعارك الأولى... يشير إليهما الجنود بأسف. تظهر في الطريق محطة الغاز الشهيرة التي أثّرت في حياة السوريين سلباً بعد ضربها مرات عدة من قبل المسلحين، ما أدى إلى قطع الكهرباء وتزايد ساعات التقنين في مناطق سورية مختلفة. لا يعرف جميع السوريين أن الزارة كانت من أكثر المناطق تأثيراً في حياتهم اليومية، عبر ضرب منشآتها الحيوية باستمرار.
يبتسم أحد الجنود أمام مشهد الأراضي الخضراء الواسعة حول محطة الزارة للغاز، ويقول: «رغم كل الاستنزاف الحاصل، استطعنا أن نتقدم على الأرض. حتى قوات الدفاع الوطني، ورغم انتقاداتنا الدائمة لهم، كانوا أبطالاً على أرض المعركة». يعزو الجندي النصر المحقق إلى اقتراب القادة من الجنود في المعركة. «قيادة الجيش في حمص تابعت خط سير المعارك على الأرض، ولم تفرّق الإصابات بين ضابط وجندي»، يضيف.

نستقبل السوريين فقط

مصدر عسكري في الزارة أكد لـ«الأخبار» أنّ المعارك بدأت منذ أكثر من 50 يوماً «ضد 400 مقاتل من جنسيات غير سورية، و2000 مسلح من الحصن وشواهد والزارة». ويذكّر المصدر بأن باب المفاوضات بقي مفتوحاً مع المسلحين السوريين، ولم يتركه الجيش الذي كان هاجسه الخروج الآمن للمدنيين.
عبر الهاتف اللاسلكي تتواصل القيادة العسكرية مع المقاتلين الميدانيين. يسأل الضابط أحد عناصره عن المدنيين، فيأتيه الجواب: «أنا الآن في مدرسة الزارة. نحن نفكك العبوات الناسفة. لا مدنيين على مقربة منّا». ثم يأتي صوت آخر عبر اللاسلكي: «عثرنا الآن على أحد المدنيين»، ثم يعبّر الرجل عن عدم حاجته إلى توصيات: «لا تقلق. هم إخوتنا».
وعبر اللاسلكي، ذاته، يتواصل ضباط غرفة العمليات مع المسلحين. بلهجات لبنانية يعبّر بعضهم عن رغبتهم في تسليم أنفسهم. ولا تزال المفاوضات مستمرة، إلا أن الرد الوحيد للعسكريين السوريين: «أهلاً بالسوريين فقط».

يمكنكم متابعة مرح ماشي عبر تويتر | @marah_mashi




قافلة الكيميائي في اللاذقية تحت مرمى الصواريخ

حالة استنفار شهدتها مدينة اللاذقية أمس، عند نقل الشحنة الثالثة من الأسلحة الكيميائية عبر أراضي المدينة في اتجاه المرفأ. هذه المرة ضربت ثلاثة صواريخ غراد شمال المدينة عقب دقائق من مرور قافلة شحنات الكيميائي، بحسب شهود عيان في المكان. مفرق الجميزة في مشروع دمسرخو كان هدف صاروخين منهما، ما أدى إلى تضرر سيارتين وإصابة ركّابهما، فيما سقط الثالث في البساتين القريبة من المشروع العاشر خلف أورانج مول. حصيلة سقوط الصواريخ شهيدان و16 جريحاً توزّعوا على مستشفيات المدينة. «شحنات الكيماوي في أمان»، هذا ما يؤكده مصدر مسؤول في المدينة، في حين تولت مدفعية الجيش السوري الرد على أماكن إطلاق الصواريخ في قرية غمام، أحد مراكز تجمّع مسلحي المعارضة المعروفة في الريف الشمالي. ارتباك شديد وأخذٌ وردّ تشهده المدينة، فيما يقوم الجيش بعملية تمشيط للمناطق المشتبه بإطلاق الصواريخ منها. يشار إلى أن الشحنة الثالثة للكيميائي وصلت بسلام إلى مرفأ مدينة اللاذقية، وسط إجراءات أمنية مشددة وقطع أوتوستراد الثورة، وصولاً إلى الأزهري والمرفأ.
مرح...