تتعدّد أساليب القمع والترهيب التي ابتكرتها سلطات المنامة، منذ ما بعد عام 2011، من أجل إخماد الانتفاضة الشعبية. لكن أشدّها قتامةً، وما يتفرّد به النظام البحريني من بين جميع الممالك والإمارات، يظلّ أسلوب «إسقاط الجنسية»، والذي يعني سحب هوية المواطن، وحرمانه من أهمّ حقوقه، وتدمير كينونته، وذلك بموجب قرارٍ، ظاهره قضائي، وباطنه انتقام سياسي. «مهولة هي تبعات حرماني وعائلتي من الجنسية؛ طفلتي الثانية المولودة منذ عامين تكابد تبعات كبيرة لولادتها وهي عديمة الجنسية». بهذه الكلمات يعبّر الحقوقي البحريني المقيم في بريطانيا، سيد أحمد الوادعي، المُسقَطة جنسيته منذ عام 2015 إلى جانب 71 آخرين، عن مرارة الواقع الذي يعيشه. يقول الوداعي، في حديث إلى «الأخبار»، إن «النظام انتقم منه ومن نشاطه بأخذ هويته، وهو عقاب امتدّ إلى العائلة أيضاً»، مضيفاً أن «الأمر أثّر كثيراً، ليس فقط عليّ شخصياً، وإنما على طفلتي، علماً أنني أترقّب مولودتي الثانية»، موضحاً أنه «بسبب حرماني من الجنسية، وبسبب أن النساء لا يستطعن نقل جنسيتهن إلى أطفالهن، فإن زوجتي لا تتمكن من منح الهوية لطفلتنا». ويلفت إلى أن «هذه الحالة لا تقتصر عليّ، بل يرثها أيّ طفل من حديثي الولادة في حالة انعدام جنسية والده، مع كلّ المصاعب المرافقة لها، وهي معضلة تتزايد عبر الأجيال».
ما يقارب ألف بحريني أُسقطت جنسيتهم منذ عام 2012 وحتى الربع الأول من العام الجاري. وهي قرارات كان آخرها في نيسان/ أبريل الماضي، حيث أصدرت محكمة بحرينية في إحدى المحاكمات الجماعية حكماً بتجريد 139 شخصاً من جنسيتهم بدعوى ارتباطهم بـ«الإرهاب». ينبّه الوداعي إلى أن هذه الأرقام تُسجّل في بلد يُقدّر عدد سكانه بحوالى 660 ألف مواطن فقط، ما يعني أن واحداً من كلّ 700 شخص تُنتزَع منه هويته، وهو ما يترتّب عليه إجباره على مغادرة البلاد، بعد أن تصبح إقامته فيها غير شرعية. هكذا، و«بعد فترة قصيرة من إسقاط الجنسية، يتمّ طرد المحكومين وترحيلهم قسراً» بحسب الحقوقي البحريني المتواجد خارج بلاده منذ عام 2012. ويشير الوداعي إلى أن أكثرية المعارضين والنشطاء الحقوقيين المتواجدين في الخارج محرومون من العودة إلى البلاد لأنهم محكومون، قائلاً: «تقريباً، يستحيل عليهم الرجوع إلى البلد، ولا يمكن استضافتهم حتى من قِبَل ذويهم في الداخل، وفعلياً يُحظر عليهم الدخول إلى البحرين».
لوزارة الداخلية الحق في إلغاء جنسية أيّ شخص «يساعد أو يشارك في خدمة دولة معادية»


وعلى الرغم من المطالبات المستمرّة للسلطات البحرينية بالتوقف عن ممارسة سياسة الإبعاد، والسماح للمبعدين بالعودة إلى البلاد وردّ الجنسية إليهم، إلا أن النظام لا يزال متمسّكاً بالمضيّ في هذه السياسة المستندة إلى قانون سحب الجنسية الصادر في عام 1963، والذي تم تعديله في عام 2014، لتُمنَح وزارة الداخلية بموجبه الحق في إلغاء جنسية أيّ شخص «يساعد أو يشارك في خدمة دولة معادية»، أو «يتسبّب في ضرر بمصالح المملكة». مع ذلك، تمكّنت الضغوط الحقوقية التي حرّكها النشطاء، ومن بينهم الوداعي، من دفع الملك حمد بن عيسى آل خليفة إلى إصدار أمر ملكي بالتراجع عن بعض أحكام إسقاط الجنسية، وإعادة الهوية إلى 551 شخصاً. لكن الناشط البحريني لا يرى في هذا الأمر انتصاراً للحقوق؛ إذ «يجب أن يتخلى النظام عن هذه العقوبة التي يتفرّد بها من بين أنظمة الخليج، والتي لا يمكن أن يستقطب لها دعماً من حلفائه على رغم تأثيره الكبير على عدد من الدول التي يتشارك معها باتفاقيات، على رأسها صفقات التسليح». وفي هذا الإطار، يوضح الوداعي أن «حلفاء النظام يرون أنه لا يمكنهم الدفاع عنه في استرساله في هذه العقوبة التي تُعتبر انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي والمواثيق التي وقّعت عليها البحرين، ولا توجد أيّ دولة في العالم، بما في ذلك أكبر حلفاء النظام، تعتبر هذا الشيء أمراً طبيعياً»، متابعاً أنه «على الأقلّ، على المستوى الرسمي، شاهدنا استنكاراً من الحكومة البريطانية، وانتقاداً من الخارجية الأميركية».
مع ذلك، يعتقد الوداعي أنه «لا يوجد رادع حقيقي في وجه النظام، لأنه يحصل على كلّ شيء يحتاج إليه من الغرب، وهو يدرك بأن الأموال وشراء السلاح أهمّ ضريبة يدفعها من أجل الصمت على الانتهاكات الصارخة في البلاد والحصول على الدعم الغربي الكامل». ومن هنا، يشدّد الناشط البحريني على ضرورة الاستمرار في فضح أساليب النظام، والسعي من أجل استرجاع الجنسية لقرابة 300 شخص هم عداد المسحوبة منهم هويتهم اليوم، وتعليق حرمانهم من «الحصول على الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية والتعليم، والعيش على أرضهم».