المراوحة والضبابية هما سمتا المشهد العراقي راهناً. ما من مرشّح متّفق عليه لخلافة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، فيما تثير خطوة رئيس الجمهورية برهم صالح الأخيرة تفسيرات متضاربة. زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، وبعد ساعات على طرحه 3 مرشحين هم: رئيس «جهاز الاستخبارات الوطني» مصطفى الكاظمي ورئيس «هيئة النزاهة» السابق رحيم العكيلي والنائب فائق الشيخ علي، عمد إلى سحب تلك الترشيحات، قائلاً: «لم يصلني من المتظاهرين جواب عن المنشور الأخير، وسأعتبر ذلك رفضاً منهم للمرشحين». ودعا الصدر، في منشور على صفحة «صالح محمد العراقي» المتحدث غير الرسمي باسمه، «كتلة سائرون» (تحظى بدعم تياره)، إلى «عدم تبنّي أيّ مرشح في الوقت الحالي ولا لاحقاً»، مشدداً على ضرورة «سلوك منهج المعارضة الشعبية البناءة، من داخل البرلمان»، من دون أن يحدّد آليات ذلك.في هذا الوقت، تستمرّ البلبلة التي أثارها إعلان صالح «استعداده لوضع استقالته من منصبه أمام البرلمان»، وتوجّهه لاحقاً إلى مدينة السليمانية في «إقليم كردستان». وإذ لا تنفي مصادر رئيس الجمهورية، في حديثها إلى «الأخبار»، كون خطوته تلك محاولة للتهرّب من تكليف مرشّح حلفاء إيران، فهي تقول إن «الهدف منها أيضاً المشاركة في المؤتمر الرابع للاتحاد الوطني الكرستاني»، والذي عُقد أمس، وأسفر عن انتخاب كوسرت رسول رئيساً لـ«المجلس السياسي الأعلى»، إضافةً إلى انتخاب صالح، ورئيس برلمان «الإقليم» ريواز فائق، ونائب رئيس حكومة «الإقليم» قوباد الطالباني، أعضاء في قيادة الحزب.
وعلى رغم تأكيد مصادر سياسية مطّلعة لـ«الأخبار» أن المعنيين في السليمانية وأربيل أبلغوا طهران رفضهم خطوة صالح، إلا أن كتلة «الاتحاد» عادت لتدعو القوى السياسية إلى «عدم ممارسة ضغوط على صالح»، مشيرة إلى أن الأخير «لم يتمكن من تكليف مرشح جرّاء التناقضات بين الكتل في تحديد الكتلة البرلمانية الأكبر، فضلاً عن عدم الاتفاق على مرشح يحظى بتأييد الحراك الشعبي ودعم القوى السياسية»، داعية في بيان القوى السياسية إلى «تفهّم موقف رئيس الجمهورية، واتباع سياسة التعاون بدلاً من سياسة الضغط». في غضون ذلك، بدا لافتاً التضارب في توصيفات نائب رئيس البرلمان، بشير الحداد (المحسوب على «الحزب الديموقراطي الكردستاني»)، لما أقدم عليه رئيس الجمهورية؛ إذ اعتبر بادئ الأمر أن «صالح يُعتبر مستقيلاً ما لم يسحب رسالته خلال أسبوع»، داعياً «المحكمة الاتحادية» إلى إصدار توضيح في شأن تلك الرسالة. لكن الحداد عاد وأعلن، في ساعة متأخرة من ليل أمس، أن «خطاب رئيس الجمهورية إلى رئاسة البرلمان هو بيان موقف وليس طلباً رسمياً للاستقالة»، موضحاً أنه في حال تقديمه طلباً تحريرياً صريحاً للاستقالة، عند ذاك سيتمّ التعامل مع الطلب بحسب المادة 75 من الدستور، والتي تنصّ على «استقالة الرئيس بعد مضيّ 7 أيام من تاريخ إيداعها الكتاب لدى البرلمان، وانتخاب رئيس جديد خلال 30 يوماً».
في المقابل، استمرّ هجوم تحالف «البناء» على صالح على خلفية خطوته الأخيرة؛ إذ أدرج الأمين العام لـ«عصائب أهل الحق»، قيس الخزعلي، رسالة رئيس الجمهورية في إطار «المكر والخداع»، داعياً إياه إلى «تقديم استقالته بطريقة دستورية»، والكتل السياسية إلى «تقديم رئيس الجمهورية إلى المحكمة الدستورية بتهمة خيانة الدستور، الذي يحتّم عليه تكليف مرشح الكتلة الأكبر لرئاسة الوزراء، إلا أنه لم يقم بواجبه الدستوري بذلك». ورأى أن «استقالة رئيس الجمهورية لم تكن مبررة، والحجج لم تكن كافية»، معتبراً أن «اعتراض صالح على مرشح معين يحوّله إلى طرفٍ غير محايد وهذه ليست وظيفته، وليست وظيفته أيضاً التعبير عن المتظاهرين لأنّه لم يُكلَّف بذلك».