في الوقت الذي تراجعت فيه الهجمات الإسرائيلية على الساحة السورية إلى ما يشبه تصفيرها بالكامل في الفترة الأخيرة، بدأ وزير الأمن الإسرائيلي الجديد، نفتالي بينت، يتحدث إلى الإعلام العبري عن «أفكار عملانية» من شأنها تغيير المعادلات، وتحقيق مصلحة إسرائيل الكاملة في وجه إيران وحلفائها: الانتقال من الاحتواء إلى الهجوم، بهدف إجبار إيران على اتخاذ قرار بالانسحاب الكامل. وفي هذا الإطار، ذكرت صحيفة «جيروزاليم بوست»، أمس، أن بينت، الذي تولّى منصبه الشهر الماضي، «يعمل على تكثيف هجمات إسرائيل ضد القوات الإيرانية في سوريا، كي يجبر طهران على اتخاذ قرار بالانسحاب في المستقبل القريب». ووفقاً لـ«الخطّ الجديد في التفكير» كما تسمّيه وسائل الإعلام الإسرائيلية، يسعى بينت إلى «وضع إيران أمام خيار وحيد، وهو الانسحاب، بعد أن تدرك أن بقاءها في سوريا لا يستأهل الخسارة التي تلحق بها جرّاء الهجمات». ونقل تقرير الصحيفة عن الوزير قوله في جلسة تقييم أمنية مغلقة إن «هناك فرصة جيدة لحدوث ذلك، وأنا أتوقع أن يغادروا قريباً». وبحسب التقرير، فإن مصدراً رفيع المستوى في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية انضمّ هو الآخر إلى جوقة تسريبات بينت، ربما بهدف إضفاء مصداقية عليها، وذلك عبر التلميح إلى إمكانية انتقال إسرائيل من تحذير إيران إلى استهدافها مباشرة. وفي السياق المتقدم، نُقل عن المصدر أن «رأس الأخطبوط الإيراني موجود في طهران، وإن كنا لم نهدّد هذا الرأس إلى الآن، لكن من الممكن البدء بالاقتراب من ذلك». ويوم أمس أيضاً، عاد بينت وهدّد، خلال زيارته الجولان المحتل برفقة رئيس أركان الجيش أفيف كوخافي لمعاينة مناورة تحاكي حرباً في الشمال، بأنه «طالما أن إيران تحاول التمركز على الأراضي السورية، فسوف تغرق في الرمال السورية هناك. نحن نعمل على زيادة الضغط، ولدينا جنود وضباط وعلى رأسهم رئيس الأركان يعلمون ما يجب عمله». بالطبع، يصعب تفسير كلام بينت، ومعه تسريب المصدر الرفيع، إضافة إلى مواقف أخرى، على أنه إشارة إلى وجود مسعى لتأسيس خيارات عملانية متطرّفة لم تكن موجودة على طاولة القرار في تل أبيب، ذلك أن صاحب «التفكير الجديد» هو بينت، الشخصية التي امتهنت المزايدات على مواقف الخصوم والمنافسين والأصدقاء بهدف تحقيق مكاسب شخصية، ولو كانت القضية واحدة من أكثر القضايا تأثيراً في الأمن الإسرائيلي، كما هو حال الوجود العسكري الإيراني في سوريا. وسواء تحقّق ما يتحدث عنه وزير الأمن أم لم يتحقّق، فسيكون قد وصل إلى مكسبَين شخصيَّين، هما على الأرجح سبب تصريحاته: الأول، تعزيز صورته في وعي الإسرائيليين كشخصية حازمة ومقتدرة ومنسجمة مع المواقف التي أطلقتها قبل تولّيها منصبها؛ والثاني، تصعيب انتقاده لاحقاً على اعتبار أنه دفع في اتجاه مقاربة متطرّفة، لكن تعذّر عليه بلوغ ما أراد.
وبمعزل عن أهداف بينت من وراء تصريحاته، فإن فشل استراتيجيات المواجهة التي قادتها إسرائيل طوال السنوات الماضية في سوريا، يفرض تساؤلات جدية في الكيان في شأن مآلات المواجهة مع إيران. وفي هذا الإطار، تكاثرت في الأسابيع الأخيرة علامات الاستفهام حول ما إذا كان فشل سياسة الضغط العسكري المدروس، والتحريض السياسي الهادف، وكذلك الرهان على أفعال الآخرين والمتغيرات الخارجية، يستتبع الارتقاء درجة في الاستراتيجية نفسها، أي مزيداً من الهجمات ومزيداً من التحريض؛ أم أنه يتطلّب تغييراً ما عبر الانتقال إلى استراتيجية أكثر صخباً وإيذاءً ضد إيران وحلفائها؟
تعقيد الإجابة وتعدّد فرضياتها يحولان دون حسمها، ويُبقيان الأمور مفتوحة على احتمالات ومسارات قد لا تخلو بدورها من تصعيد غير مسبوق بين الجانبين، إن لم يحدث أيّ تراجع في المواقف المتناقضة: إصرار إسرائيل على إبقاء هامش مناورتها واسعاً في الساحات الإقليمية، ومنع تعاظم القوة العسكرية لمحور المقاومة؛ وفي المقابل مضيّ الأخير في تطوير قدراته وتعزيز موقفه الدفاعي، في استراتيجية لا قابلية فيها للانكفاء أو التراجع.