أعلن المشير خليفة حفتر، مساء الخميس الماضي، «الساعة الصفر» لدخول العاصمة، وحثّ، في تسجيل مصوّر، قواته على التقدّم إلى قلب طرابلس التي اعتبرها مختطَفة من طرف «إرهابيين». صباح يوم الجمعة، ردّ رئيس المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق»، التي تسيطر على طرابلس وأغلب شمال غرب البلاد، فائز السراج، على كلمة حفتر، قائلاً في خطاب مصوّر إنه «لا ساعة صفر سوى صفر الأوهام، ولا سيطرة أو اقتحام لطرابلس وأحيائها»، داعياً المنخرطين في مشروع حفتر إلى «التخلّي عن المشاريع الوهمية والعبثية التي لم تقدّم لهذا الوطن سوى آلاف الضحايا من الشباب قرابين لحكم الفرد... لم نرَ منها سوى دمار المدن ولم نسمع منها سوى خطابات الموت والدم والخراب».ميدانياً، عزّزت قوات حفتر وجودها ونشاطها على مختلف الجبهات في التخوم الجنوبية لطرابلس، ونجحت في السيطرة على بعض المواقع الجديدة، إضافة إلى إسقاطها طائرة قتالية مسيّرة وحرقها بعض المدرعات التركية الصنع، لكنها فقدت في المقابل عدداً من مقاتليها، سقط سبعة منهم يوم الجمعة، كما فقدت طائرة عمودية فوق مدينة الزاوية غرب العاصمة، لم يُعلم بعد سبب سقوطها. في الجهة المقابلة، عزّزت قوات «الوفاق» ترسانتها العسكرية بوصول دفعات أسلحة جديدة من تركيا، شملت طائرات مسيّرة وصواريخ مضادّة للدروع، مكّنتها من الحفاظ على وضع دفاعي جيد. والجدير ذكره، هنا، أن طرفي النزاع صارا يفضّلان استخدام الطائرات المسيّرة والقصف الصاروخي على القتال المباشر الذي يتسبّب في خسائر مادية وبشرية كبيرة.
في موازاة القتال على الجبهات، نشب صبيحة أمس الأحد خلاف بين مجموعتين تتبعان قوات «الوفاق». ويرتبط هذا النزاع بمحاكمة عُقدت أمس في طرابلس، تناولت ملفّ مجزرة سجن أبو سليم، التي تعود إلى عام 1996 حين قتل نظام معمر القذافي أكثر من 1200 سجين في يوم واحد، أغلبهم مساجين رأي من الإسلاميين، لقمع تمرّد داخل السجن. وأسقطت المحكمة التهم عن بعض الموقوفين في القضية، مُبرّرةً ذلك بانقضاء مدّة الخصومة. لكن، قبل بدء المحاكمة، اقتحمت «قوّة الردع الخاصة» مقرّاً يتبع «كتيبة ثوار طرابلس»، واقتادت الموقوفين لدى الأخيرة لتضعهم في سجن يتبع لها هي قرب «مطار معيتيقة الدولي»، ما أدى إلى تبادل إطلاق نار وتهديدات، على رغم أن الجهازين كليهما يتبعان وزارة الداخلية. ومن بين الموقوفين مسؤولون كبار في نظام القذافي، أبرزهم عبد الله السنوسي والبغدادي المحمودي والساعدي القذافي. لم تؤثر هذه الحادثة حتى الآن على سير القتال، لكنها قد تلقي بظلالها على تطورات المعارك، نظراً إلى وجود مقاتلين من الطرفين في الجبهات.

تحركات دولية
جاء أول ردود الفعل الدولية على إعلان «الساعة الصفر» من وفد البرلمان الأوروبي للعلاقات مع دول المغرب. وفي بيان له صدر يوم الجمعة، قال الوفد إن «التهديدات الأخيرة من المشير المزعوم... تمثّل مصدر قلق شديد»، مضيفاً أن «هجوماً عسكرياً مماثلاً لن يقود إلّا إلى تعميق معاناة المدنيين الليبيين». ودعا الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي ككلّ إلى «إدانة مثل هذه التهديدات، واتخاذ جميع التدابير اللازمة لتجنّب حدوث حمام دم». في اليوم نفسه، وعقب لقاء بين المستشارة الألمانية ورئيس الحكومة الإيطالية والرئيس الفرنسي، صدر بيان مشترك حثّ طرفي النزاع على «الامتناع عن القيام بأعمال عسكرية، والمشاركة بصورة حقيقية في وقف شامل ودائم للأعمال العدائية، واستئناف مفاوضات ذات مصداقية تحت رعاية الأمم المتحدة». وطالب البيان، المنظمات الإقليمية، وخصوصاً الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي، بـ«لعب دور مهمّ في التنفيذ الفعلي لمخرجات مؤتمر برلين»، المؤجّل إلى موعد غير معلن، لكن يُنتظر عقده في الأشهر الثلاثة الأولى من العام المقبل.
حثّت ألمانيا وإيطاليا وفرنسا طرفي النزاع على «الامتناع عن القيام بأعمال عسكرية»


في مقابل المواقف الأوروبية الكلامية، تحرّك رئيس المجلس الرئاسي لـ«الوفاق» لتحصيل دعم مادي وسياسي لحكومته، إذ انتقل السراج، أمس، إلى الدوحة، حيث التقى أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، الذي قال إن بلاده ستضاعف الجهد في سبيل أن تتجاوز ليبيا الأزمة الحالية، مبدياً استعداد الدوحة لإسداء أيّ دعم تطلبه طرابلس في المجالين الأمني والاقتصادي، علماً بأن «صندوق قطر للاستثمار» يملك بالفعل حصة مهمة في شركة الأسلحة التركية التي تُصدّر أغلب المعدّات العسكرية إلى قوات «الوفاق». كذلك، التقى السراج وزيرَي الدفاع والخارجية التركيَين، وناقش معهما الخطوات التي اتُخذت لتطبيق مذكّرتَي التفاهم الموقّعتَين نهاية الشهر الماضي بشأن التعاون الأمني والعسكري، وتحديد الحدود البحرية بينهما. بالتوازي، أوفدت «الوفاق» إلى أنقرة وكيل وزارة الصحة ووفداً مرافقاً له، من أجل إتمام توقيع مذكّرة تفاهم في المجال الصحي، تتولّى تركيا بموجبها إدارة بعض المرافق الصحية في ليبيا وإيفاد طواقم طبية. وفي اليوم نفسه، أرسلت الحكومة التركية مذكّرة التفاهم حول التعاون الأمني والعسكري إلى البرلمان ليصادق عليها. وتشمل المذكرة، التي سُرّبت نسخة منها، إمكانية إرسال أسلحة وتقنيات عسكرية إلى ليبيا، إضافة إلى طواقم خبراء ومدربين، لكن بعض البنود تشوبها ضبابية، وقد تُستخدم في المستقبل القريب كمبرّر لإرسال قوات تركية مقاتلة.
في الجهة المقابلة، أعلن رئيس البرلمان المنعقد في شرق البلاد، والداعم لحفتر، عقيلة صالح، أنه تلقى دعوة لزيارة واشنطن. ولم يحدّد صالح الجهة التي دَعَتْه، لكنه توقع أن تتمّ الزيارة في كانون الأول/ ديسمبر الجاري، واعتبر ذلك اعترافاً بشرعية البرلمان، على رغم أن هذا الأخير صار منقسماً، بعدما انشقّ عنه عشرات النواب وصاروا يجتمعون في طرابلس. كما أعلن صالح أنه راسل المنظمات العربية لسحب الاعتراف بحكومة «الوفاق»، وقد تلقى إجابة من رئيس البرلمان العربي، مشعل السلمي، الذي وعده بطرح الموضوع، ودعاه إلى إلقاء خطاب في البرلمان العربي في كانون الأول/ ديسمبر الجاري، بحسب ما قال.



إردوغان: حفتر «زعيم غير شرعي»
للمرة الثانية في غضون ثلاثة أسابيع، استقبل الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، مساء أمس، رئيس حكومة «الوفاق» الليبية، فايز السراج، في قصر دولمة باهجة في إسطنبول. وجدّد إردوغان، عقب اللقاء، استعداد بلاده لتقديم الدعم العسكري لـ«الوفاق» إذا طلبت الأخيرة ذلك، موضحاً أن مذكرة التفاهم الموقّعة بين الجانبين، والمتعلقة بالتعاون الأمني والعسكري، ستدخل حيّز التنفيذ فور مصادقة البرلمان التركي عليها. ووصف المشير خليفة حفتر بأنه «زعيم غير شرعي... ويمثّل هيكلاً غير شرعي». وفي شأن مذكّرة التفاهم البحرية مع «الوفاق»، اعتبر أنها «قلبت وضعاً فرضته معاهدة سيفر (عام 1920)»، مؤكداً «(أننا) سنحمي حقوق ليبيا وتركيا في شرقي المتوسط».