في سابقة هي الأولى من نوعها، حاول مسح السكان، الذي نفّذه المركز السوري لبحوث السياسات منتصف عام 2014 لمصلحة المكتب المركزي للإحصاء وجهات حكومية وأممية أخرى، رصد مؤشرات رأس المال الاجتماعي في سوريا خلال الأزمة، معتمداً بذلك على خاصية تَفَرّد بها إلى اليوم، وهي تغطيته لجميع مناطق البلاد، بما فيها التي كانت خاضعة في ذلك الوقت لسيطرة التنظيمات المسلحة. ومن بين المكوّنات الثلاثة لدليل رأس المال الاجتماعي، مكوّن الثقة المجتمعية، والذي تمّ قياسه من خلال مؤشرين أساسيين هما الثقة بين الأفراد، ومدى الشعور بالأمان. وقد خلص البحث إلى أن هذا المكوّن كان الأكثر تراجعاً؛ إذ انخفض بنحو 47% مقارنة مع فترة ما قبل الأزمة.
أظهرت النتائج تبايناً كبيراً بين المحافظات في مستوى الثقة المجتمعية

كذلك، أظهرت النتائج تبايناً كبيراً بين المحافظات في مستوى الثقة المجتمعية، وخاصة أثناء الأزمة. إذ بلغ الانخفاض في هذا المكوّن أعلى نسبه في المناطق المحاصرة، أو التي شهدت توتراً أو قتالاً أو دماراً واسعاً مثل محافظة الرقة، تليها الحسكة وإدلب ودير الزور وحلب. كما أظهر المسح تراجعاً حادّاً أثناء الأزمة في مؤشر الثقة بين أفراد المجتمع، قُدّر بنحو 31%، الأمر الذي يُمكن تفسيره بغياب سلطة القانون والاقتتال المسلح والأوضاع المعيشية الصعبة، إضافة إلى حالة الاستقطاب الكبيرة في المجتمع نتيجة الأزمة. ووفق ما سجّله عدد من الأشخاص المفتاحيين من ملاحظات، فإن مستويات الثقة انخفضت نتيجة «توافد أعداد كبيرة من السكان الجدد» إلى بعض أحياء اللاذقية، و«التخوّف والحذر من الثقة في الأفراد نتيجة الظروف السائدة» في عدد من مناطق إدلب. وشهدت المحافظات ذات المستويات الأعلى نسبياً من الثقة بين أفرادها تدهوراً في هذا المؤشر أثناء الأزمة، مقارنةً بما كان عليه قبلها، مثلما هو الحال في طرطوس ودمشق واللاذقية وحماه، وهي جميعاً من المحافظات الآمنة نسبياً. وتباينت الثقة بين الأفراد بشكل كبير ضمن المحافظات، حتى تلك التي لم تشهد أعمالاً قتالية كبيرة مثل طرطوس والسويداء. وبحسب نتائج المسح المذكور، فإن التدهور في دليل الثقة المجتمعية نتج من انهيار الشعور بالأمان بالدرجة الأولى، والذي شهد انخفاضاً على مستوى سوريا بلغ حدود الـ 59%، نتيجة مجموعة من العوامل المرتبطة بالعنف كالقصف والقتل والخطف والاعتقال العشوائي، فضلاً عن اتساع نطاق الحرمان والفقر وتدهور سبل المعيشة وانتشار اقتصاديات العنف والتهجير القسري والفساد وانتشار ثقافة الخوف.
ويوضح الباحث زكي محشي أهمية مؤشر الشعور بالأمان، بالإشارة إلى أن «مساهمته هي الأعلى في انخفاض دليل رأس المال الاجتماعي، إذ أن نحو 40% من الانخفاض في دليل الثقة المجتمعية بين عامي 2010 و2015 يعود إلى تدهور مؤشر الأمان». ويضيف محشي، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «دلالة هذا المؤشر تعكس بشكل أساسي الخوف على الحياة وعدم التعرض للقتل والعنف والخطف والقدرة على التنقل بحرية بين المناطق من دون خوف». لكن هل ثقافة الخوف ترسّخت فعلاً خلال الحرب فقط؟ يجيب الباحث محشي بـ«أنها مترسخة قبل ذلك بكثير، لكنها تفجّرت خلال النزاع، فتحول الخوف من الآخر، مع غياب مؤسسات استيعابية، إلى رغبة بتصفيته من خلال العنف»!