في تصريحات متلفزة يوم السبت، أعلن الناطق باسم قوات المشير خليفة حفتر، اللواء أحمد المسماري، فرض حظر جوي فوق مناطق القتال في طرابلس، باستثناء الجزء المدني من مطار معيتيقة الدولي الذي يمثّل المعبر الجوي الوحيد المتبقّي في العاصمة، رغم أنه خارج الخدمة منذ أسابيع. وأضاف المسماري أن كلّ نشاط جوي يتطلّب مستقبلاً إذناً من قواتهم، مبرّراً الأمر بتقدّم المعارك في طرابلس ودخولها «مرحلة الحسم». ويأتي هذا القرار بعد إسقاط طائرة مسيّرة إيطالية فوق مدينة ترهونة، الواقعة تحت سيطرة قوات حفتر، يوم الأربعاء الماضي. وحول تلك الحادثة، قالت وزارة الدفاع الإيطالية، في بيان، إن الطائرة كانت تنفذ دعماً لعملية «تأمين المياه»، وتتبع خطة طيران سُلّمت مسبقاً إلى السلطات الليبية (حكومة الوفاق). كما يأتي قرار الحظر بعد يومين من فقدان القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا «أفريكوم» طائرة مسيّرة فوق طرابلس. وأكدت «الأفريكوم»، في بيان، أنها فقدت طائرة مسيّرة غير مسلّحة كانت تعمل في إطار «تقييم الوضع الأمني الحالي ومراقبة النشاط المتطرّف العنيف»، مشيرة إلى أن ذلك النوع من العمليات «ضروري لنشاط مقاومة الإرهاب في ليبيا»، كما أنه يتمّ «بتنسيق كامل مع المسؤولين الحكوميين المعنيّين». وفيما نشرت قوات حفتر صوراً لبقايا الطائرة المسيّرة الإيطالية في مدينة ترهونة جنوب طرابلس، لم تَظهر صور للطائرة الأميركية. وفي حين لم تكشف وزارة الدفاع الإيطالية أسباب سقوط الطائرة، واكتفت بالقول إن الحادثة قيد التحقيق، رفضت «الأفريكوم» الكشف عن طراز طائرتها أو موقع سقوطها. لكن، يمكن رسم استنتاجات أولية حول سقوط الطائرتين بناءً على حوادث سابقة. بداية، من شبه المؤكد أن الطائرتين أُسقطتا نتيجة استهداف. ثانياً، يُستبعد أن يكون جهاديون وراء إسقاطهما، إذ لا يوجد هؤلاء لا في ترهونة ولا في طرابلس، كما أنهم لا يملكون قدرات عسكرية كافية لإسقاط طائرات مسيّرة. ثالثاً، تملك حكومة «الوفاق» وقوات حفتر قدرات عسكرية قادرة على إسقاط طائرات مسيرة، وقد أثبت كلا الطرفين ذلك سابقاً خلال الحرب الحالية، لكن المسؤولية تُوجَّه حالياً نحو قوات حفتر. يعود هذا إلى سبب تمّ ذكره في البيانين الإيطالي والأميركي، وهو وجود تنسيق بين الدولتين وبين حكومة «الوفاق»، كما لا يُستبعد وجود تنسيق مباشر مع الطاقم التركي الذي يُسيّر منظومة الدفاع الجوي والطائرات المسيّرة التابعة لحكومة «الوفاق». إضافة إلى ذلك، لا مصلحة لـ«الوفاق» في إسقاط طائرات دولتين تسعى إلى تحصيل دعمهما. في المقابل، تملك قوات حفتر منظومة دفاع جوي روسية وصلت بعد وقت قصير من إطلاقها الهجوم على طرابلس في الرابع من نيسان/ أبريل، ومصدرها الإمارات التي اشترت عدّة وحدات منها قبل أعوام، ويُرجّح أن مَن يُسيّرها هم ضباط إماراتيون، وفق اعترافات لرهائن من قوات حفتر، والتي يبدو أنها ذات مصلحة في إسقاط الطائرتين؛ كونها تريد البعث برسالة مفادها ضرورة التنسيق معها عوض التنسيق مع «الوفاق».
لكن هذه الخطوة التصعيدية تأتي في ظرف خاص، حيث لم تُستهدَف من قَبْل طائرات أجنبية فوق ليبيا، على رغم أن ذلك كان ممكناً. كما أن السياق الحالي يثير شكوكاً تجاه إمكانية نجاحها، خصوصاً في أعقاب صدور بيان أميركي مشترك بين عدّة وزارات دعا إلى وقف الهجوم على طرابلس (راجع، الأخبار، عدد 3910). بعد ذلك البيان، عزّز حفتر قواته حول طرابلس، وشدّد هجومه، إضافة إلى إجرائه زيارة غير معلنة إلى أبو ظبي لتدارس الخطوات القادمة، وفق تسريبات، وإقرار إجراءات «مصالحة» لاستقطاب مزيد من أنصار نظام معمر القذافي. ويبدو أن التوجّه المستقبلي سيتمثّل في اندفاعة عسكرية أكبر، وهو ما عبّر عنه المسماري في تصريحه الإعلامي أول من أمس، عندما قال بخصوص «ندوة برلين»، التي تنوي ألمانيا تنظيمها قريباً للبحث عن حلّ للملف الليبي، إن «ما يحصل في برلين سيبقى في برلين»، مضيفاً أن «الكلمة القوية للبندقية على الأرض».