قبل شهرين من الآن، كانت العمليات العسكرية «جزءاً تقليدياً» من حياة المدنيين في مخيم اليرموك (جنوب دمشق)، إذ بلغت حدة القتال ذروتها في أيار العام الماضي، عندما جهد تنظيم «داعش» للسيطرة على ساحة «الريجة» بين شارعي اليرموك وفلسطين، دون جدوى. ثمّ دخل المخيم حالة من المراوحة لم تدم طويلاً، مع تضييق الخناق على مناطق سيطرة «داعش» وطرق إمداده، قبل أن تفتح الطريق لمسار التسوية المنتظرة طويلاً.
«مفاوضات سريعة»، كما يسميها عضو لجنة المصالحة الوطنية في الحي، أحمد الخطيب، أدت إلى «قبول التسوية من الأطراف جميعها، دون أي عوائق، بما في ذلك الشرط الذي وضعته السلطات السورية، والقاضي بتسوية كاملة، تشمل خروج تام للمسلحين من المخيم، وعدم قصر الموضوع على مصالحة وطنية». وحول تفاصيل التسوية، يؤكد الخطيب: «جرى الاتفاق على خروج المسلحين، من داعش والنصرة وغيرهم، من مناطق اليرموك كافة وما حولها، بما فيها الحجر الأسود والقدم والعسالي والتضامن، وتأمينهم بحافلات تقلهم عبر الغوطة الشرقية نحو محافظة الرقة في ما يخص مقاتلي «داعش»، ونقل مقاتلي «النصرة» إلى ريفي حلب وإدلب».
بعد خروج الدفعة الأولى من المقاتلين (ما لا يزيد على 100 مقاتل من «داعش») يوم الأربعاء 23/12/2015، توقفت العملية فجأة بعد مقتل قائد «جيش الإسلام»، زهران علوش، بقصف جوي طاول اجتماعاً له مع عدد من قادة فصائل مسلحة أخرى في بلدة أوتايا (الغوطة الشرقية)، ما أفضى إلى عرقلة مرور قوافل المسلحين من الغوطة الشرقية، حسب الاتفاق.
رغم نعي كثيرين للتسوية بعد مقتل علوش، إلا أن مصادر مسؤولة عن الملف لا تزال متفائلة بإنجاز سريع لها، حيث «لم تعد المسألة مرتبطة بتأمين الطريق لعبور المسلحين، بقدر ما ترتبط بحسابات سياسية أكبر وغير معلنة، تطاول مستقبل اليرموك بعد التسوية. لكن رغم ذلك، جميع المؤشرات تؤكد أن التسوية ستعود للانطلاق قبل نهاية كانون الثاني»، يؤكد مصدر عسكري فلسطيني مطلع على تفاصيل المفاوضات.
ويؤكد المصدر ذاته في حديث مع «الأخبار» أنّ «هناك مداولات تجري الآن حول دور كتائب أكناف بيت المقدس في المخيم، التي أعلن مسؤولون عنها داخل الأروقة المغلقة، جاهزيتها للانتشار في المخيم بعد خروج المسلحين منه، ضمن إطار قوة عسكرية مشتركة تشمل معظم الفصائل الفلسطينية في المخيم، والتنسيق مع الجيش السوري هذا الأمر». ويعقب المصدر: «ذلك ما يمكن أن نقول عنه إنه فاتحة لاستعادة قد تكون محتملة في العلاقات بين حركة حماس ودمشق. لا أقول إنها مكتملة، لكنه إلى الآن مجرد احتمال». وحول التوقيت المحتمل لإنجاز التسوية، يشير المصدر نفسه الذي يشارك في اجتماعات «لجنة المتابعة العليا للفصائل الفلسطينية» في دمشق إلى أن «القضية لها حساباتها السياسية الدقيقة، إلا أنه من جملة المؤشرات التي نراها، يمكن أن نتوقع أنها ستجري بحدود تاريخ 25/1/2016، حيث يتوقع عديدون أن تعمل السلطات السورية على تأمين جنوب دمشق أثناء مشاركتها في مفاوضات جنيف المقرر أن تجري في هذا التاريخ».
يُذكر أن مصادر كانت قد أكدت لـ«الأخبار» في وقت سابق أنّ «العملية ستجري بإشراف قوى داخل المخيم، سيكون عليها التأكد من خلوّ اليرموك من مسلحي التنظيمات المتطرفة بنحو كامل. وبعد الخروج من المخيم، وانطلاق الحافلات، تصبح العملية بعهدة الأمم المتحدة التي سيكون عليها تأمين وصول المسلحين إلى محافظات شمالية».




البداية من الحجر الأسود

اكتمل أمس خروج أبرز قادة تنظيم «داعش» من حيّ الحجر الأسود، جنوبي دمشق، باتجاه مدينة الرقة، تطبيقاً لاتفاق رعته الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي، ويقضي بخروج مسلحي التنظيم من الحيّ وبعض أجزاء مخيم اليرموك. وجرى خروج هؤلاء المسلحين على ثلاث دفعات خلال الأيام الماضية، فيما بقيت دفعة كبيرة من مسلحي «داعش» وعائلاتهم تنتظر دورها للخروج من المنطقة. وتجري عملية إخراج هؤلاء المسلحين بسريّة تامة خوفاً من استهداف قافلتهم من بقية الفصائل من «جيش الاسلام» وجبهة النصرة.
إلى ذلك، تُجري الفصائل المؤيدة للمصالحة استعدادات للانتشار في مواقع مسلحي «داعش» في الحجر الاسود، قبل دخول «جبهة النصرة» وغيرها من الفصائل المسلحة الى المنطقة.