عقب لقاءات تحضيرية في تونس بداية هذا الشهر، استدعت الولايات المتحدة وفداً ليبياً من حكومة «الوفاق» المعترَف بها دولياً، والمسيطِرة على معظم شمال غرب البلاد، لتدارس التطورات الحاصلة في ليبيا. وفي إطار ذلك الاستدعاء، عُقد، يوم الأربعاء الماضي، اجتماع بين وزير الداخلية فتحي باشاغا، ووزير الخارجية محمد الطاهر سيالة، ومسؤولين أميركيين من وزارات الدفاع والخارجية والأمن الداخلي ومجلس الأمن القومي وقيادة الأركان المشتركة و«الوكالة الأميركية للتنمية»، انتهى اللقاء بإصدار بيان مشترك أعلن إطلاق «حوار أميركي - ليبي أمني»، ناقلاً عن الوفد الليبي قلقه من الوضع الأمني في البلاد وتأثيره على المدنيين، وعن الجانب الأميركي دعوته «الجيش الوطني الليبي»، أي قوات المشير خليفة حفتر، إلى إنهاء هجومها على طرابلس. أما النقطة الأهم في البيان فتتعلّق بدوافع عقد الاجتماع، حيث قال إن الوفد الأميركي «أكد دعمه سيادة ليبيا ووحدة أراضيها في وجه المحاولات الروسية لاستغلال الصراع ضدّ إرادة الشعب الليبي». وتأتي هذه الإحالة على دور روسيا بعد موجة تقارير عن تزايد نشاطها في ليبيا، ومساعيها إلى لعب دور فعّال في تحديد مستقبل الليبيين. وقد بدأ الأمر مع تسريب مجموعة رسائل إلكترونية داخلية بين موظفين تابعين لـ«مؤسسة حماية القيم الوطنية» الروسية، يتم الحديث فيها عن خطة لدعم سيف الإسلام القذافي، عبر حملة إعلامية لصالحه وتقديم مشورة له. وجاء هذا التسريب بعد إيقاف موظفين في المؤسسة الروسية غرب ليبيا منتصف هذا العام، واتهام النائب العام في طرابلس بلقاء سيف الإسلام و«محاولة التأثير في الانتخابات الليبية القادمة». لكن الأمر لم يقف عند ذلك الحدّ. ففي الأشهر القليلة الأخيرة، قالت وسائل إعلام مالطية إنه تمّ حجز سفينة محمّلة بكميات من العملة مطبوعة في روسيا ومُوجّهة إلى شرق ليبيا، مع الإشارة إلى أن تلك العملة معمول بها في شرق البلاد منذ أعوام، وتطبعها شركة روسية خاصة، وهي لا تشبه العملة الصادرة عن المصرف المركزي المعترَف به والتي يُتعامل بها في بقية مناطق ليبيا.
يأتي التحوّل في الموقف الأميركي بعد أشهر من الصمت والغموض


علاوة على ما تقدّم، تداولت وسائل إعلام أخيراً أخباراً عن نشر مرتزقة روس تابعين لشركة «فاغنر» في ليبيا، للقتال إلى جانب قوات حفتر (راجع «الأخبار»، العدد 3866). وقد تكرّر هذا الادعاء، الذي تدعمه بعض القرائن الميدانية (على غرار وجود وثائق تتبع أحد هؤلاء المرتزقة في أحد مواقع القتال)، على لسان وزير داخلية «الوفاق» في حوار له مع وكالة «بلومبيرغ» الأميركية الأسبوع الماضي، حيث قال إن روسيا «تصبّ الزيت على النار، وتؤجّج الأزمة عوضاً عن إيجاد حلّ لها». ورداً على ذلك الاتهام، وصف نائب رئيس اللجنة الدولية في مجلس الفيدرالية الروسي، فلاديمير جباروف، التصريحات الأميركية بأنها «غبيّة»، نافياً وجود قوات تابعة لبلاده في ليبيا. وقدّم رواية مختصرة عن التطورات التي حصلت في البلاد، حمّل فيها الولايات المتحدة مسؤولية انهيار الدولة.
ويأتي التحول في الموقف الأميركي بعد أشهر من الصمت والغموض اللذين واجهت بهما واشنطن الأحداث الليبية، وذلك في أعقاب تطور مغاير تَمثّل في اتصال هاتفي بين الرئيس دونالد ترامب وحفتر عند بداية الهجوم على طرابلس، اعتُبر حينها ضوءاً أخضر للعملية. وقد تحدثت وسائل إعلام أميركية حينها عن دور فعّال لَعِبه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، في ترتيب تلك المكالمة الهاتفية. اليوم، صارت حكومة «الوفاق» أقرب إلى واشنطن. وفي حين تدّعي الأخيرة أنها ستعمل مستقبلاً على منع التدخلات الخارجية في ليبيا، فإن موقفها المستجدّ قد يؤدي عملياً إلى زيادة تدويل الملف وإعطائه طابع الحرب بالوكالة.