بغداد | الحديث عن اقتراب القوى السياسية العراقية، على اختلافها، من الوصول إلى حلٍّ لإنهاء الأزمة السياسية المفتوحة، خاصّةً أن دور طهران كان بارزاً في ذلك، ترجمته واشنطن وأدواتها غضباً وسخطاً على الحكومة الاتحادية، برئاسة عادل عبد المهدي، والانحياز التام إلى صفوف «المتظاهرين» على اختلافهم، رغم سعي بغداد إلى التفريق بين السلمي منهم والمخرّب. وبينما تؤكّد مصادر ميدانية، في حديثها إلى «الأخبار»، أن التظاهرات المطلبية بدأت بالانحسار، في العراق عموماً، وفي العاصمة بغداد خصوصاً، وتحديداً «ساحة التحرير»، فإن الإعلام الغربي والخليجي، حرص طوال الساعات الماضية على «تضخيم» حجم التظاهرات كمّاً وانتشاراً، والترويج لسردية اعتقال الناشطين المدنيين «العُزّل»، علماً أن مصادر أمنية عراقية لا تنفي اعتقال من أسمتهم بـ«المندسّين والمحرّضين على العنف».الدعوة إلى العصيان المدني لم تكن مستساغةً جدّاً لا من الحكومة ولا من الشارع الذي بدأ بالتعبير عن سخطه من استمرار هذا الحراك، خاصة أنه لم يحمل أي مطالب محدّدةً حتى الآن، ويفتقد أيضاً إلى قيادةً واضحة من شأنها ضبط تحركاتها بأطرٍ وآلياتٍ «سلمية». وفي هذا الإطار والتوقيت، كان لافتاً جدّاً بيان السفارة الأميركية لدى بغداد، ودعوتها «الحكومة العراقية والقادة السياسيين للتفاعل عاجلاً وبجديّة مع المواطنين العراقيين المطالبين بالإصلاح»، مؤكّدةً أنه «لا مستقبلَ للعراق بقمع إرادة شعبه». البيان الأميركي شجب «قتل وخطف المحتجين العزّل، وتهديد حرية التعبير ودوّامة العنف الدائر»، مشدّداً على ضرورة أن يكون القرار «عراقيّاً حرّاً». وهو ما «فسّره» أكثر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الذي ربط ما يجري في العراق ولبنان، بالقول إن «الشعبين يريدان عودة بلديهما بعد اكتشافهما أن الفساد هو أعلى صادرات النظام الإيراني، متنكراً بشكل سيئ على هيئة ثورة»، في إشارة إلى «الثورة الإسلامية». وأضاف بومبيو: «العراق ولبنان يستحقان أن يديرا شؤونهما الخاصة، بمنأىً عن تدخلات المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي».
الدعوة لـ«العصيان المدني» لم تكن مستساغةً لا من الحكومة ولا من الشارع


في موازاة ذلك، فإن القوى السياسية، خلال اجتماعٍ عقدته برئاسة زعيم «تيّار الحكمة» عمار الحكيم أمس، أكّدت ضرورة تلبية مطالب المتظاهرين، ودعم الحكومة في تنفيذ حزمها الإصلاحية، مع «عقد مؤتمرٍ للحوار الوطني» بمشاركة ممثلين عن المتظاهرين والنقابات و«لجنة الحكماء» والأمم المتحدة، هدفه مناقشة مطالب المتظاهرين، وتحويلها إلى برامج عملية تنفذها السلطات الثلاث. وعلمت «الأخبار» أن الاجتماع سيُعقد دورياً، وستُسند رئاسته إلى الحكيم، في خطوةٍ مثّلت التفافاً سياسياً كبيراً حول عبد المهدي، وحملت بصماتٍ إيرانية وأخرى إقليمية لعبت دوراً بارزاً في ذلك. وتؤكّد المعلومات أن هذا اللقاء سيُعنى بمراقبة الجدولة الزمنية للإصلاحات، إذ سيكون «جهازاً رقابيّاً رديفاً» للأداء الحكومي، إلى جانب تفعيل دور «لجنة المختصّين» التي دعت «المرجعية الدينية العليا» (آية الله علي السيستاني) إلى تشكيلها، ومنحها الصلاحيات اللازمة لأداء مَهامها في تقديم «الرؤى الإصلاحية المرجوّة».
جلسة أمس وصفتها مصادر «الأخبار» بـ«الخطوة الإيجابية جدّاً»، على أن تنعكس قريباً على «شكل انفراجٍ» حكومي، وتنفيس للشارع الغاضب، خاصّةً أنها حملت إجماعاً سياسيّاً من مختلف المكوّنات (شيعة وسُنّة وأكراد)، باستثناء رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، الرافض لأي حلٍّ لا يكون مقدّمه «إسقاط الحكومة»، ومردّ ذلك حساباته السياسية القائمة على إمكانية عودته «تلقائيّاً» إلى الحكم. هذه الخطوة من شأنها أيضاً أن تساهم أكثر، وبدءاً من اليوم، في تنفيس الشارع، مع تمسّك الحكومة بضرورة عودته إلى ما كان عليه قبل 1 تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي، من دون أن تمثّل أي تظاهرة جديدة «تهديداً أمنيّاً»، ومدخلاً لـ«فوضى» تريدها واشنطن وتل أبيب والرياض وأبو ظبي على حدٍّ سواء.