بعد ساعات على إعلان وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي، عادل الجبير، أن حكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، و«المجلس الانتقالي الجنوبي»، على وشك التوقيع على اتفاق نهائي بينهما في مدينة جدة، أعلن العديد من مسؤولي الطرفين أن قيادتَي «الشرعية» و«الانتقالي» وقّعتا عليه بالأحرف الأولى. اتفاق تسعى السعودية من خلاله إلى توحيد الصف في المحافظات الجنوبية، لكنه يُعدّ بحسب مراقبين بمثابة قنبلة موقوتة، قد تتسبب بتفجر الصراع مجدداً في المستقبل. ويخشى كثير من الجنوبيين من أن يتكرر سيناريو عام 1994 عندما تم توقيع اتفاق بين الأطراف المتصارعة في اليمن في العاصمة الأردنية عمّان، حيث كان الجميع تحت الضغط وغير مقتنعين بما يفعلون، ثم عادوا إلى البلاد ليتفجر الوضع عسكرياً آنذاك. مع ذلك، أرادت الرياض، على ما يبدو، إنجاز اتفاق ولو هشّاً وغير قابل للتطبيق، بهدف الخروج من أزمتها والحفاظ على مصالحها. إذ إنها تسعى إلى إنهاء القتال بين المكوّنات المحلّية المنضوية في فلك «التحالف» في جنوب اليمن، وإنتاج شراكة سياسية بينها. كما أنها تسعى إلى تجميع أوراق القوة لديها، مُركِّزة جهودها على الاستثمار في تلك القوى، وتوجيهها ربما للقتال في الشمال مجدداً.قادة ومسؤولو «الانتقالي» والماكينة الإعلامية التابعة له برّروا قبول اتفاق جدة، الذي تنازلوا فيه عن المطالبات الانفصالية، بأن الاتفاق اعترف بـ«الانتقالي» كقوة سياسية وعسكرية، فضلاً عن أنه ممثل للجنوب في المفاوضات القادمة، فيما برز من داخل حكومة هادي استنكار لما جرى، وخصوصاً من قِبَل مجموعة من الوزراء الصقور، ترفض أي تنازل من قِبَل الحكومة، وعلى رأس هؤلاء: وزير الداخلية أحمد الميسري، ووزير النقل صالح الجبواني، الذي طالب بعدم مكافأة من وصفهم بـ«الانقلابيين في الجنوب»، قائلاً إن أي اتفاق معهم سيعني «فشل التحالف». ورأى الجبواني، في تغريدة له على «تويتر»، أن «أي اتفاق ترعاه المملكة لن يُكافئ المتمردين الانقلابيين بكل تأكيد؛ لأن هذا يخالف نهج ومهمة المملكة في اليمن». واستدرك: «أما إذا ذهب في غير هذا الاتجاه فإنه لن يرى النجاح، وبالتالي سيعني هذا فشل التحالف ومهمته في اليمن»، معتبراً أن «الانقلابيين يساقون إلى قاعات المحاكم وليس إلى كراسي الحكومة».
الاتفاق معرّض لأن يعاني الكثير من المتاعب أثناء التنفيذ


بناءً على ما تقدم، يبدو اتفاق جدة معرّضاً لأن يعاني الكثير من المتاعب أثناء التنفيذ بسبب الفجوات الواسعة بين المكوّنات الموقّعة عليه، والاختلالات التي ينطوي عليها، وأبرز تجلّيات ذلك:
ــــ آثار القتال الأخير في الصيف بين الطرفين («الشرعية» و«الانتقالي»)، والذي أدى إلى سقوط مئات القتلى، وكان من نتائجه تقطيع جنوب اليمن إلى أجزاء ومربعات تتحكم بها الفصائل والأحزاب والقبائل باسم مموّلي الطرفين (السعودية والإمارات).
ــــ الإشكالية السياسية الكبرى، والتي تعتبر مانعاً مستعصياً على الحل، هي إلزامية الشراكة بين حزب «الإصلاح» («الإخوان المسلمين» في اليمن) و«المجلس الانتقالي». وهذه الإشكالية لها بعدان: الأول، محلّي حيث بلغت الخصومة بين الطرفين حدّ الفجور ورفض قبول الآخر تحت أيّ ظرف، وخصوصاً أن كثيراً من الجنوبيين يتّهمون «الإصلاح» بأنه المتسبّب في احتلال أراضيهم في حرب عام 1994. والثاني، إقليمي متعلّق بدولة الإمارات الممثّلة بـ«الانتقالي» في اتفاق جدة، إذ تنظر أبو ظبي إلى الصراع مع «الإخوان» بمن فيهم «الإصلاح»، بالوجودي وغير القابل للمهادنة. ولم يستطع الطرفان (الإمارات و«إخوان» اليمن) سابقاً التعايش بموجب أيّ صيغة من الصيغ، على رغم المحاولات المتكرّرة التي بذلتها «الشقيقة الكبرى» (السعودية) في سبيل ذلك.
ــــ لم يلحظ الاتفاق القوى الجنوبية والشخصيات السياسية والقبلية والمناطقية، وبعضها لها حيثيات تاريخية وشعبية، وقد قاتلت مع طرفَي «التحالف» (السعودية والإمارات) في الصراعات المختلفة في اليمن، الأمر الذي يعني أن على الرياض أن تكون مستعدة لمواجهة جولات دامية في المستقبل. بالإضافة إلى ذلك، فإن الفرز الجديد سيضطر الشرائح المجتمعية المتضررة إلى توليد مراكز قوى سياسية ومذهبية، ومنها ما هو مدعوم من داخل تركيبة اتفاق جدة. وفي هذا الاتجاه، وفور الإعلان عن توقيع الاتفاق، أصدرت العديد من القوى بيانات تعلن فيها رفضها لـ«الإقصاء المتعمّد» و«التفرّد بالقرار الجنوبي»، ومن بين تلك القوى «الهيئة الشعبية الجنوبية» (الائتلاف الوطني الجنوبي) وهي مكوّن يضم العديد من الأحزاب والشخصيات والقوى. وقد بعثت الأخيرة برسالتين، الأولى إلى هادي، والثانية إلى نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان، بصفته راعياً للاتفاق، مشددة على أنها لا تقرّ ولا تقبل بأن يكون ذلك (اتفاق جدة) على حساب بقية القوى والمكونات على الساحة. وطالبت الجبهة بأن تكون مختلف مراكز القرار والمواقع الإدارية والدفاعية والأمنية والدبلوماسية وغيرها وفق أسس ومعايير متوافق عليها.