حلب | ريف دمشق | عشية انتهاء المهلة التي حدّدها تنظيم «جبهة النصرة» لـ«الدولة الإسلامية في العراق والشام» للاحتكام الى هيئة شرعية، ومهدّداً بالقتال في حال رفض الأخير، على نحو غير مفاجئ، انسحب عناصر «داعش» فجر أمس، من مناطق عدة في ريف حلب الشمالي، ومن مدينة أعزاز الحدودية مع تركيا. كما انسحبوا من مطار منغ العسكري وبلدة ماير وقريتي دير جمال وكفين، متوجّهين الى الريف الشرقي لحلب، وتحديداً إلى مدن الباب وجرابلس ومنبج، وبلدات قريبة من ريف الرقة. ولم يسجّل للانسحاب أي معارك مع التنظيمات المعارضة على الأرض.
انسحاب داعش من أعزاز و14 قرية وموقعاً في الشمال، أهمها مطار منغ وماير ومعرستة ودير جمال وكفر خاشر وكفر كلبين والشيخ ريح، جاء لإعادة تمركز مقاتليه. وقال مصدر قريب من «داعش» لـ«الأخبار»، إن «المجاهدين يتوقعون منذ البداية أن تزج حكومات الكفر باحتياطيها الأقوى في الحرب على دولة الإسلام، بعدما استنفدت قواها في الجيش الحر العلماني ولواء التوحيد وبعض المنحرفين من الجهادية السلفية، واليوم جاء دور جبهة النصرة المرتدة».
واعترف المصدر بأن «دخول النصرة على الخط حتّم إعادة التموضع والانسحاب من أعزاز، لإن إغلاق الحدود التركية لمنع الإمدادات الغربية للمرتدّين لم يعد ذي جدوى بعد انسحاب الدولة من قريتي كفر حمرة وحريتان». وتعرضت أرتال «داعش» المنسحبة إلى الباب ومنبج لنيران الطيران الحربي الذي أغار عليها بالقرب من مدينة الباب، في حين ذكرت مصادر معارضة أن بعض الأرتال وقعت في كمائن لـ«الجبهة الإسلامية» و«جيش المجاهدين»، وتكبدت خسائر فادحة.
الى ذلك، بثّ ناشطون معارضون تسجيلاً لـ«والي» الحسكة في «داعش» «أبو أسامة العراقي»، هاجم فيه أبرز مؤسسي «حركة أحرار الشام» «أبو خالد السوري» وجماعة «النصرة».
وفي نداء وجّهه إلى مقاتلي «جبهة النصرة» في الحسكة، قال «العراقي»: «من قال لكم إن الجهاد فاشل وفاسد في كل الساحات؟ أين كان الشيخ أبو خالد أيام الجهاد، أيام الشيخ أسامة بن لادن وعطية الله وأبو مصعب الزرقاوي وأبو حمزة المهاجر المصري؟ لم يكن يتكلم!هل يظن أن الساحة خلت له ولأمثاله حتى ينعق بمثل هذا الكلام!؟».
على صعيد آخر، أعلنت مصادر المعارضة اكتشافها ثلاث مقابر جماعية في منطقة أعزاز؛ أكبرها في جبل برصايا القريب من الحدود التركية، وتوجّهت أصابع الاتهام الى «داعش» بعد انسحابه من المدينة.
ميدانياً، شنّت وحدات في الجيش السوري هجوماً على مسلحي «النصرة» في قرية حيلان المتاخمة لسجن حلب المركزي، إضافة الى محيط السجن الذي شهد معارك عنيفة منذ ظهر أمس.
تسويات جديدة في ريف دمشق
على صعيد آخر، نفّذ الجيش السوري أمس كميناً جديداً على أحد المعابر الفرعية بين الغوطة الشرقية والقلمون في ريف دمشق، أدى إلى مقتل 20 مسلّحاً ينتمون إلى «الجبهة الإسلامية» و«جبهة النصرة»، وذلك أثناء محاولة تسلّل هؤلاء باتجاه القلمون، بحسب ما ذكرت وكالة «سانا».
وأشار مصدر عسكري لـ«الأخبار»، إلى أن «الحرب مع المجموعات المسلّحة في جبهات المنطقة الجنوبية والغوطة الشرقية والقلمون باتت حرب معلومات بامتياز». يُذكر أن السلطات السورية أعلنت يوم الأربعاء الماضي مقتل أكثر من 150 مقاتلاً في كمين في الغوطة الشرقية.
الى ذلك، وبحسب مصادر رسمية، قتل أفراد مجموعة مسلّحة تابعة لـ«لواء أنصار الخليفة» في جرود يبرود، وشنّ الطيران الحربي السوري غارتين على ممر الزمراني والمصلحة في جرود عرسال، في الأراضي اللبنانية، مستهدفاً مسلّحين معارضين في تلك المنطقة. وأفادت مصادر معارضة عن قيام اللواء 104 التابع للجيش السوري في وادي بردى بقصف قرى عين الفيجة والعين الخضرة، بالمدفعية والهاون. كما تحدّثت عن نشوب اشتباكات بين «الجيش الحرّ» والجيش السوري في أطراف تلك القرى.
على صعيد آخر، وبعد إنجاز المصالحات في قدسيا وبرزة والمعضمية، ثم في مخيم اليرموك وببيلا وبيت سحم ويلدا وسيدي مقداد في ريف دمشق الجنوبي، تجرى محاولات لعقد مصالحات في بلدات في الريف الغربي والشمالي للعاصمة، على أمل وقف الصراع المسلّح الدائر فيها. وفي هذا السياق، سلّمت قوى أهلية ومجتمعية من داريا وجديدة عرطوز (غرب دمشق) ومن مضايا وبقين (في الريف الشمالي الغربي)، نحو 400 مطلوب إلى مركز المصالحة الوطنية في ريف العاصمة، «كبادرة حسن نوايا تجاه الدولة». وتهدف هذه «البادرة» إلى التعجيل في سير التسويات التي بدأت في مضايا وبقين في وقت سابق، وتوسيع دائرتها.
حوالى 82 مسلّحاً من المجموع البالغ 400، تم تسليمهم من داريا، المدينة الأكبر في الغوطة الغربية، والتي ينقسم مسلّحوها حول الموقف من التسوية. وقال رئيس بلدية داريا، سيف الدين جعنينة، لـ«الأخبار»: «كنّا نواجه جهوداً معاكسة من المسلّحين، وبالأخص الغرباء، الذين ما انفكّوا يعلنون عن معارك وحملات جديدة، تؤخّر سير المصالحة، آخرها معركة سمّيت (وبشّر الصابرين)». وكان زعماء المسلّحين في الغوطة الشرقية قد وجّهوا لمسلّحي داريا نداءً بعدم الذهاب إلى المصالحة. وأمام كل تلك التحديات، يؤكّد جعنينة: «قرّرنا البدء بالمصالحة بمن حضر، وجلب من استطعنا إقناعهم بالمصالحة. وذلك لكي يعلم الجميع أن أهالي داريا لديهم اليوم مطلب المصالحة».
في ساحة الروضة بدمشق، وقف جمع المسلّحين، رافعين الأعلام السورية، وتوزّعوا على أربعة وفود، تمثل داريا وجديدة عرطوز وبقين ومضايا. ويلفت رئيس بلدية مضايا إسماعيل سيف الدين، إلى أنّ نجاح التسوية في بلدته مرتبط بالبلدات المجاورة، كون الطريق المؤدية إلى تلك المناطق الجبلية والوعرة واحدة، ولأن بعدها عن دمشق يسهّل على الغرباء استفراد كل منها، لذا فإن «التسوية الشاملة في تلك المنطقة ضرورية»، يضيف رئيس البلدية.