الخرطوم | جدلٌ كبير أُثير في السودان خلال الأشهر الماضية حول الآلية المعتمدة لتعيين رئيس القضاء والنائب العام، وهما أعلى سلطتين قضائيتين في البلاد، قبل أن يحسم «مجلس السيادة» الأمر أمس، مُعلِناً موافقته على تعيين نعمات عبد الله محمد خير رئيسةً للقضاء كأول امرأة في تاريخ البلاد تتقلّد هذا المنصب، وتاج السر علي الحبر نائباً عاماً. وسبق تلك الخطوة صدور فتوى من وزير العدل، نصر الدين عبد الباري، بـ«أحقية السيادي ومجلس الوزراء في تعيين رئيس القضاء والنائب العام»، بما يتنافى مع «الوثيقة الدستورية» التي وُقّعت في السابع عشر من الشهر الماضي، والتي تنصّ على أن تعيين النائب العام ورئيس القضاء يأتي عبر «المجلس الأعلى للقضاء» و«المجلس الأعلى للنيابة»، لكن هذين المجلسين لم يُشكَّلا بعد.ويرى متابعون أن المكون العسكري في «السيادي» سعى إلى أخذ المبادرة في تعيين رئيس القضاء والنائب العام لكسب مزيد من الوقت، بعد إدراكه أن شاغلَي هذين المنصبين اللذين تم تعيينهما إبّان حكم «المجلس العسكري» باتا بحكم المحالَين على التقاعد بحكم حلّ «العسكري». وأكثر ما يخشاه المكون المذكور الآن إثارة ملف فضّ الاعتصام أمام القيادة العامة مطلع حزيران/ يونيو الماضي، وتشكيل لجنة تحقيق مستقلة من قِبَل النائب العام، مع ما يمكن أن يفضي إليه الأمر من ثبوت تورّط أحد وجوهه في المجزرة. وفي هذا الإطار، بدا لافتاً أن العسكر في «السيادي» أبدى تحفظه في السابق على خير (62 عاماً)، بعدما قطع الطريق أمام مرشحَي «قوى الحرية والتغيير» لمنصبَي النائب العام ورئيس القضاء، عبد القادر محمد أحمد ومحمد الحافظ.
تعيين رئيس القضاء والنائب العام يفتح باب المطالبة بتحقيق العدالة


جراء ذلك، يتخوّف الشارع من غياب النزاهة والاستقلالية في القضاء، ومساعدة المتورطين في جرائم الفساد والقتل على الإفلات من العقاب أو الهرب خارج البلاد. لكن ثمة تفاؤل بسيط مردّه النزاهة والصرامة اللتين عُرف بهما المرشحون. وكان لمنشور كتبته رئيسة القضاء في أعقاب المجزرة قبل أربعة أشهر بالغ الأثر لدى أهالي الضحايا، إذ استنكرت الطريقة التي استخدمها «العسكري» وقوات «الدعم السريع» لفضّ الاعتصام. وهنا، يرى قانونيون أن تعيين خير والحبر من أهم الخطوات لإعادة بناء السلطة القضائية والنيابية بعد رفض تنصيب أحمد والحافظ. وخير حاصلة على إجازة في الحقوق من جامعة القاهرة ــــ فرع الخرطوم، وقد بدأت عملها في السلك القضائي عام 1983 مساعدةً قضائية، ثم تنقلت بين المحاكم إلى أن رُقّيت إلى قاضٍ درجة ثانية، ثم درجة أولى، ثم قاضي استئنافات في 2003. وبين 2009 و2014، شغلت منصب قاضي محكمة الاستئنافات في السلطة القضائية، قبل أن تترقى إلى قاضي محكمة عليا بحلول 2015. كما كان لها صورة مع موكب للقضاة أثناء الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش. ومن أشهر القضايا التي حكمت فيها رفضها طعن وزارة الإرشاد والأوقاف إبان عهد البشير في 2016 ضد الكنيسة الإنجيلية في البلاد.
وتنص «الوثيقة الدستورية» على أن ولاية القضاء تُسنَد إلى السلطة القضائية التي تكون مستقلة عن «السيادي» ومجلس الوزراء والمجلس التشريعي الانتقالي، وأن رئيس القضاء يكون رئيساً للسلطة القضائية ورئيساً للمحكمة العليا، كما يكون مسؤولاً عن إدارة السلطة القضائية لدى «مجلس القضاء العالي». ولذلك، تنتظر خير والحبر مهمات صعبة، أهمها هيكلة الجهازين العدليَّين على نحو يضمن حيادهما وبعدهما عن الولاءات الحزبية. لكنّ كثيرين يرون أنهما لا يملكان السلطة لذلك، لأنه ليس في يدهما تعيين رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية، وفق الخبير القانوني نبيل أديب، الذي يقول لـ«الأخبار» إن على مجلس الوزراء «تكوين مفوضية قضائية تشرف على الوظائف المطلوبة، وهذا يتطلّب تعديل الدستور لمنح المفوضية السلطات المطلوبة، وتشكيلها على يد قانونيين خارج الخدمة في القضاء أو النيابة أو وزارة العدل». ويضيف أديب إن «القضاء العالي» الذي نصت الوثيقة على تشكيله هو مجلس مكون من قضاة عاملين، وهم «بحكم وظائفهم عاجزون عن أداء هذه المهمات... من المهم تحويل سلطات النائب العام ليقدر على الإصلاح المؤسّسي، ومحاسبة كل متورّط من النظام السابق».