القاهرة | الدولة المصرية مستنفِرة إلى الدرجة القصوى. فمع أن الأجهزة الأمنية تحاول إظهار أن الحياة تسير على نحو اعتيادي، لكن الحقيقة عكس ذلك تماماً. والآن، صار الإعلام موجَّهاً بصورة مباشرة للدفاع عن الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظامه، عبر وجوه جديدة من شباب «البرنامج الرئاسي»، وآخرين دُفع بهم لمخاطبة فئات جديدة من الجمهور، خاصة الشباب. كذلك، كُلّف الإعلامي الشهير عمرو أديب بتبنّي حملة الدفاع عن النظام، التي زاد عليها أمس استضافة صيدلاني يتشابه اسمه مع اسم نجل السيسي، محمود، ويشارك في ملكية صيدليات شهيرة مدعومة من أجهزة الدولة، وذلك لإظهار أن الأمر ليس له علاقة بالجيش أو الرئيس! الاستنفار الإعلامي ترافق مع دفع المحطات إلى عرض فيديوات تهاجم القنوات القطرية والتركية، وتنتقد جماعة «الإخوان المسلمون» المحظورة، إضافة إلى تمويل إعلانات لفيديوات عبر «فايسبوك» في خطوة لم تحدث من قبل، مع استعمال جميع الأدوات الممكنة في الدفاع عن النظام، بما في ذلك الفنانون الذين جرى التوسع في استغلالهم، وآخرهم الراقصة فيفي عبده بعدما خرجت بفيديو تُوجّه فيه شتائم إلى المقاول والممثل محمد علي.أما الأجهزة الأمنية، فمنعت الإجازات، ورفعت حالة الاستنفار إلى الدرجة القصوى، من دون ظهور مكثف للقوات في الشارع، في ظلّ تشديد على التعامل مع الاحتجاجات المتوقعة في أي موقع والسيطرة عليها بسرعة، ووسط إجراءات خاصة لمنع التصوير والنشر. ووفق إحصاءات شبه رسمية، تم توقيف أكثر من 330 شخصاً خلال الأيام الماضية، من بينهم عدد كبير قُبض عليهم من منازلهم أو الشارع، كالناشطة والمحامية ماهينور المصري التي اختُطفت أثناء سيرها في الشارع. وهذه التوقيفات تُسجّل في القضية الرقم 1338 لسنة 2019، والتي سيواجه فيها المعتقلون اتهامات بالمشاركة مع جماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة، إضافة إلى التظاهر، ما قد يصل بالمدانين فيها إلى السجن ما لا يقلّ عن خمس سنوات.
من المقبوض عليهم رؤساء أحزاب ونواب رؤساء أحزاب اعتُقلوا من بيوتهم


ومن بين المقبوض عليهم في منازلهم نائب رئيس حزب «التحالف الشعبي الاشتراكي» علي عبد الناصر، ونائب رئيس حزب «الكرامة» عبد العزيز الحسيني، إضافة إلى رئيس حزب «الدستور» علاء خاطر، الذي تعرض لمضايقات في عمله، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الأحزاب هي التي حاولت دعم التظاهر السلمي وأحقية المواطنين فيه، خاصة بعد توقيف عدد من الشباب قبل أشهر بدعوى تورطهم في «خطة الأمل» التي قيل إنها «تهدف إلى قلب نظام الحكم»، كما ورد في التحريات الشرطية، وحُبس عدد من الشخصيات بموجبها من بينهم المحامي زياد العليمي. ونبهت «الحركة المدنية الديموقراطية»، في بيان أمس، إلى أن «تجريف المجال السياسي، وتزايد قمع المعارضين والمحتجين سلمياً، لا يوفران أمناً ولا استقراراً، بل إن تصفية الحياة السياسية هي التهديد الأكبر للأمن»، مشيرة إلى القبض على العليمي وحسام مؤنس، واصفة إياهما بأنهما «من أبرز قيادات حزبي المصري الديموقراطي الاجتماعي والكرامة». كذلك استنكر البيان اعتقال الحسيني وإسماعيل، داعياً إلى «تجنيب البلاد صداماً بين المواطنين المحتجين وقوات الأمن... والإفراج الفوري عن سجناء الرأي المحبوسين احتياطياً، وعن المواطنين الذين تم اعتقالهم لمشاركتهم في التظاهرات السلمية التي شهدتها عدة مدن في الأيام الأخيرة، وإصدار تشريع بالعفو الشامل عن سجناء الرأي».
واستمراراً لنهج رفع فزاعة الخوف في شأن الأوضاع الأمنية، خاصة في سيناء، أعلنت الداخلية المصرية قتل 15 شخصاً يُشتبه في أنهم إرهابيون خلال تبادل لإطلاق النار في العريش أمس، و«ضبط كمية من المتفجرات كانت بحوزتهم»، وذلك بعد يوم واحد من إعلان قتل أحد قادة حركة «حسم» المحسوبة على «الإخوان»، في خطوة تعزز المخاوف التي تريد «الداخلية» تصديرها إلى الشارع. وبينما يواصل السيسي لقاءاته في الأمم المتحدة استعداداً لإلقاء كلمة مصر الأربعاء، تباشر الأجهزة المعنية إرسال تقارير على مدار الساعة إلى الرئيس في نيويورك. ويتولى مدير مكتب مدير المخابرات، أحمد شعبان، إعداد التقارير والتعامل مع الأزمة من القاهرة، فيما جرى التوافق على إلهاء الشارع بتصعيد الانتقاد الداخلي لعدد من المسؤولين، ومنهم وزيرة الصحة، هالة زايد، التي تحدث نواب في البرلمان عن رغبتهم في سحب الثقة منها، في سابقة منذ وصول السيسي إلى كرسي الرئاسة.
إلى ذلك، أغلقت الأسهم المصرية مُسجِّلة انخفاضاً كبيراً أمس، بعد خسائر حادة في الجلسة السابقة في أعقاب الاحتجاجات. ونزل المؤشر الرئيس «إيه. جي. اكس 30» بنسبة 1.5%، فيما هبطت أسهم البنك التجاري الدولي 3.5%، كما هوت أسهم «مجموعة طلعت مصطفى القابضة» 7.6%. وتأتي خسائر المؤشر أمس بعدما هبط في جلسة أول من أمس 5.3%، في أكبر خسارة له منذ حزيران/ يونيو 2016.