تونس | رغم أن القانون الانتخابي لم يصدر بعد، فإن السباق نحو قصر قرطاج انطلق منذ أيام بالتزامن مع الدعوة لاستقالة الرئيس محمد منصف المرزوقي، فيما يبدو هرم السياسة التونسية الباجي قائد السبسي في مقدّمة أصحاب الحظوظ. فالجدل الدائر حول استقالة الرئيس المؤقت يأتي في إطار توفير كل شروط المنافسة العادلة بين كل المترشحين لرئاسة تونس، على حد تعبير رئيس المجلس الوطني التأسيسي، مصطفى بن جعفر، حتى في ظل عدم تحديد موعد للانتخابات.
هذا الجدل لم يبدأ اليوم؛ إذ كان زعيم «النهضة» راشد الغنوشي، أول من دعا المرزوقي إلى الاستقالة، في الخريف الماضي خلال حوار تلفزيوني على قناة «نسمة» المغاربية، إذا كان ينوي الترشح في الانتخابات المقبلة. الدعوة نفسها تبناها زعيم حركة نداء تونس، السبسي.
كذلك تطالب الأحزاب السياسية المرزوقي بالاستقالة حتى تضمن شفافية الانتخابات، لأنه لا يمكن أن يكون في قصر قرطاج في الوقت الذي يقود فيه الحملة الانتخابية. لكن الرئيس المؤقت جدّد رفضه للاستقالة، وأكد أنه لن يستقيل ولن يسلّم قصر قرطاج إلا لرئيس مُنتَخب من الشعب التونسي.
استقالة الرئيس المؤقت أصبحت حديث الشارع التونسي، وخاصة بعد استقالة الحكومة التي تقودها «النهضة»، إذ تطالب «القوى الديموقراطية» المرزوقي بالخروج من قصر قرطاج في إطار خريطة طريق الحل لمشكلات البلاد.
لقد كان حليفه في الترويكا بن جعفر، واضحاً عندما أعلن أنه سيستقيل من رئاسة المجلس التأسيسي عندما يقرر الترشّح للانتخابات الرئاسية التي لم يُحدَّد موعدها إلى الآن.
ولم يصدر القانون الانتخابي، الذي يعمل حزب المؤتمر من أجل الجمهورية بقيادة المرزوقي والأحزاب المنشقة عنه وبعض المستقلّين في «التأسيسي»، على تضمينه فصلاً ينص على إقصاء كل من تحمّل مسؤولية سياسية في العهد السابق لقطع الطريق على السبسي، الزعيم المعارض الذي ترشحه كل استطلاعات الرأي لأن يكون في المرتبة الأولى في السباق الرئاسي.
كما تعمل هذه الجهات على إقصاء الدستوريين من أنصار النظام السابق، الذين أصبح حضورهم في الشارع وفي الحياة السياسية، كبيراً، بما يؤشر إلى إمكانية حصولهم على أكبر عدد من مقاعد البرلمان المقبل، وخصوصاً «نداء تونس» الذي توقعت كل استطلاعات الرأي خلال العام الماضي تصدّره نتائج الانتخابات، رغم أنه لم يمر على تأسيسه أكثر من عام ونصف.
ورغم أنه رسمياً لم يعلن أحد الترشح للانتخابات الرئاسية، إلاّ أن النيات أصبحت واضحة، وأولها السبسي (٨٧ عاماً) الذي كان أحد رموز النظام البورقيبي، رغم أنه عُرف بمطالبته بتطبيق الديموقراطية في نظام بورقيبة، وكان أول من استقال من الحزب عندما كان سفيراً لدى باريس سنة ١٩٧٠ وأسس مجلة «ديموقراطية» الناطقة بالفرنسية، وكان قريباً من الرابطة التونسية لحقوق الإنسان ومن حركة الديموقراطيين الاشتراكيين التي كانت أول حزب معارض لنظام بورقيبة أواسط السبعينيات بزعامة أحمد المستيري.
عاد السبسي، الذي ترأس أول برلمان في نظام زين العابدين بن علي، لمدة عام واحد إلى الأضواء بعد سقوط حكومة محمد الغنوشي الثانية؛ آخر رئيس وزراء في عهد بن علي.
يتمتع السبسي بثقة المنظمات الدولية، وله علاقات واسعة في الشرق والغرب، وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما، قد استقبله في البيت الأبيض عندما كان رئيساً للحكومة، وهو ما لم يتح لرئيسي حكومتي حركة النهضة حمادي الجبالي وعلي العريض.
ويعتقد الكثيرون أن السبسي، رغم تقدمه في السن، يحظى بفرص وافرة، وقد يكون مرشح جبهة الإنقاذ أو على الأقل جبهة الاتحاد من أجل تونس التي تجمع حزبه بأحزاب من وسط اليسار.
لكن السبسي ليس المرشح الوحيد؛ فالرئيس الحالي لا يخفي رغبته في العودة إلى قصر قرطاج هذه المرة منتخباً من الشعب مباشرة. لكن كل استطلاعات الرأي إلى حد الآن لا تعطيه أي حظوظ، وكذلك رئيس المجلس التأسيسي وزعيم الحزب الجمهوري الذي كان يقود المعارضة الراديكالية ضد بن علي، نجيب الشابي.
إلا أن حظوظ هؤلاء، حسب استطلاعات الرأي ما زالت ضعيفة جداً. فحركة النهضة قالت من خلال رئيس الحكومة المستقيل، علي العريض، إنها قد ترشح شخصية وفاقية، لكنها لم تحسم إلى حد الآن في ترشيح أي اسم، في الوقت الذي أكد فيه مقربون من رئيس الحكومة الأسبق الرجل الثاني في «النهضة» وأمينها العام حمادي الجبالي، أنه قد يترشح كمستقل، وقد يلقى دعماً من عدة أحزاب، من بينها «النهضة».
أما الجبهة الشعبية المعارضة، فلم تعلن اسم مرشحها إلى الآن بشكل رسمي، لكن الأقرب أنه سيكون متحدثها الرسمي حمة الهمامي، الذي يتزعم اليسار التونسي بلا منازع منذ اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي. هذه الأسماء التي قد تدخل السباق بشكل رسمي قريباً، الا أنها ليست الوحيدة التي تطمح في الوصول الى قصر قرطاج الذي لم يفقد سحره، رغم ان الدستور الجديد أفقد الرئيس أغلب صلاحياته ومنحها لرئيس الحكومة.
ومن بين الذين أعلنوا ترشحهم من دون أن يكون لهم الثقل السياسي ولا الشعبي الكافي، رئيس حزب المجد، عبد الوهاب الهاني، ورئيسة حزب الحركة الديموقراطية للإصلاح والبناء، آمنة منصور القروي، ورئيس حزب الإقلاع، الطاهر هميلة.
وتبقى كل هذه الترشحات، المعلنة أو الضمنية، مجرد مشاريع في انتظار صدور القانون الانتخابي وتحديد موعد للانتخابات. والأكيد أن الكثير من المعطيات ستتغير حسب التحالفات، ومع اقتراب الانتخابات التي ستكون في دورتين.