على رغم مرور أيام على ضربة «أرامكو»، لم يعلن الجانبان السعودي والأميركي روايتهما للمسؤول عن الهجمات التي تبنّتها صنعاء، فيما كانت الرياض قد مهّدت للأمر بإعلان مواصلة التحقيقات بمشاركة خبراء دوليين، يبدو أنهم أميركيون. في الأثناء، تواصل تحديث الروايات الأميركية التي تحمّل طهران المسؤولية، آخرها ما نقلته «رويترز» عن ثلاثة مسؤولين أميركيين من أن واشنطن تعتقد أن الهجوم على منشأتَي النفط انطلق من جنوب غرب إيران، ونُفِّذ بطائرات مسيّرة وصواريخ «كروز». في المقابل، قال وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان: «لا نعلم الجهة التي تقف خلف الهجوم».وبدا الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، متمسّكاً بتحميل الرياض مسؤولية الرد، مكتفياً بعرض المساعدة المدفوعة الثمن، لكن من دون ما يؤدي إلى حرب. من هنا، يتراجع الاهتمام بزيارة الوفد الأميركي إلى الرياض برئاسة مايك بومبيو، الذي توجه أمس إلى المملكة، وكذلك حال التحشيد الدولي الذي انتظرته الرياض ضد طهران عبر تكرارها لازمة أن الهجمات على الدول كافة ومصادر الطاقة، لا المملكة فحسب.
ظريف: إلقاء الملامة على إيران لن يغيّر الواقع


هذه الخلفية جعلت من المراقبين، على رغم استبعادهم عدم الرد، يرجّحون أن يكون ثمة رد محدود، وهو ما نقلته كذلك وسائل إعلام أميركية عن مصادر في «البنتاغون»، ما يعني إمكانية تجنب إيران والرد على حلفائها. وحتى حل لغز عدم تبني أن إيران مصدر الهجمات، سواء لعدم إلزام الرياض نفسها بالرد في ظلّ التردد الأميركي، أو لحراجة الأدلة التي تثبت أن الهجمات لم تنطلق من إيران ولا العراق، أو انتظاراً لما ستحمله زيارة بومبيو، فإن تعاطي باقي الأطراف، وفي مقدمهم الأوروبيون، لا يظهر حماسة لإشعال التوتر. وإن أبدى كل من البريطانيين والألمان تعاطفاً واستعداداً للمشاركة في رد جماعي من دون ذكر إيران، تبقى هذه التصريحات في إطار بيع المواقف، وهو ما ظهر في الموقف الفرنسي الأكثر صراحة. إذ على رغم إرسال الرئيس إيمانويل ماكرون مبعوثاً إلى المملكة، قال وزير الخارجية جان إيف لودريان، من القاهرة: «حتى الآن فرنسا ليست لديها أدلة تسمح لها بالقول إن هذه الطائرات المسيَّرة جاءت من هذا المكان أو ذاك، ولا أعرف إذا كان هناك أحد لديه أدلة... نحتاج إلى استراتيجية لخفض التصعيد في المنطقة، وأي خطوة تتعارض مع خفض التصعيد هذا سيكون لها أثر سيئ على الوضع في المنطقة»، وهو ما فسرته مصادر دبلوماسية بأنه خشية في باريس من تأثير الهجمات على المبادرة الفرنسية. وقد جمعت هجمات «أرامكو» المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، في اتصال هاتفي اتفقا فيه على تنسيق «ردّ جماعي» مع الحلفاء، من دون ذكر إيران. وهاتف جونسون، أمس، وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، مبلغاً إياه بالموقف المشترك.
وترك ترامب، أمس، التعليق لنائبه مايك بنس، حيث قال الأخير: «يبدو من المؤكد أن إيران كانت وراء هذه الهجمات... كما قال الرئيس، لا نريد حرباً مع أحد، لكن الولايات المتحدة مستعدة»، مضيفاً: «نحن جاهزون وإصبعنا على الزناد، ومستعدون للدفاع عن مصالحنا وعن حلفائنا في المنطقة، يجب ألّا يكون لدى أحد شك في ذلك». وأشار إلى أن «مناقشة ردّنا» هي موضوع زيارة بومبيو، الذي يلتقي ابن سلمان وبعدها يتوجه إلى الإمارات حيث يلتقي ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.
على الضفة المقابلة، جدد وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، نفي مسؤولية بلاده عن الهجوم، معتبراً أن «الولايات المتحدة تكون في حالة إنكار إذا ظنت أن الضحايا اليمنيين لأربع سنوات ونصف سنة في أبشع أنواع جرائم الحرب لن يفعلوا ما بوسعهم لشن ضربات مضادّة». وهاجم واشنطن في تغريدة بالقول: «تخيّلوا فقط أن الولايات المتحدة لا تنزعج عندما يقصف حلفاؤها منذ أكثر من 4 سنوات، دون رحمة، الأطفال في اليمن - بأسلحتها ومساعدتها العسكرية -، ولكنها تنزعج بشكل رهيب عندما يردّ الضحايا بالطريقة الوحيدة التي يمكنهم القيام بها ضدّ المصافي النفطية للمعتدي». وغمز ظريف من قناة فشل منظومة الحماية الأميركية، قائلاً: «لربّما هي محرجة لأن مئات مليارات الدولارات من الأسلحة لم تعترض النيران اليمنية»، ورأى أن «إلقاء الملامة على إيران لن يغيّر هذا الواقع»، مشدداً على أن إنهاء الحرب في اليمن «هو الحل الوحيد لكل المشاكل».