دمشق | خط ائتمان مع إيران، وآخر قيد الدراسة مع روسيا، وثالث جديد يتم الحديث عنه مع بلغاريا. فهل أصبحت الخطوط الائتمانية مع الدول الصديقة هي الطريقة السورية للخروج من بعض أزماتها المالية وتمويل مستورداتها؟ وهل سيحمّل هذا الأمر سوريا تكاليف وديوناً في المستقبل هي في غنى عنها؟
الخط الائتماني هو عبارة عن تسهيلات مالية تمنح عن طريق بنك أو مؤسسة مصرفية للعملاء الجديرين بالثقة والتي تعاني من مشكلات في السيولة المالية. وهو بمعنى أدقّ أشبه بالقرض الميسّر، ولأنّه يقدم للعملاء الموثوقين، كانت سوريا واحدة من هؤلاء «العملاء» بالنسبة إلى إيران، الدولة الداعمة الرقم واحد لدمشق في حربها الحالية. ومن هنا بدأت أولى حبّات السبحة في عقود سوريا الائتمانية.
فبداية، وقّعت اتفاقية خط التسهيل الائتماني بقيمة مليار دولار بين المصرف التجاري السوري وبنك تنمية الصادرات الإيرانية في كانون الأول من العام الماضي، لتمويل استيراد سلع وبضائع وتنفيذ مشاريع تنموية وخدمية، كذلك وقّع مصرف سوريا المركزي على اتفاق ترتيبات مصرفية مع البنك المركزي الإيراني لتنفيذ خط النفط الائتماني البالغ 3.6 مليارات دولار.
وقد شملت هذه الخطوط حتى الآن 25 مادة غذائية من المواد الأساسية، مدّدت لأجلها «المؤسسة العامة للتجارة» موعد تقديم العروض. وأكد رئيس مجلس الوزراء السوري وائل الحلقي، مرات عدة، أنّ استيراد المواد التموينية الأساسية من الخط الائتماني الإيراني متوفر ومتاح لكل من يرغب من التجار ضمن إجراءات محددة.
ويرى الخبير الاقتصادي شادي الأحمد أنّ الخط الإيراني هو أشبه بالقرض التجاري الميسّر لتمويل المستلزمات السورية التي يحتاج إليها الاقتصاد من غذاء ودواء ومستلزمات أساسية، مع العلم بأن مستوردات سوريا السنوية تبلغ قيمتها سبعة مليارات دولار، كانت تموّل سابقاً من القطاع النفطي المتعثر على نحو كبير حالياً.
ويتابع الأحمد إنّ هذا الخط سيساعد سوريا في ظل الحصار الاقتصادي المفروض عليها، وسيخفف من تكاليف فتح الاعتماد مع الدول الأوروبية ومن تعزيز الاعتمادات، وفي الوقت ذاته يعطي فرصة تمويلية جدية لتنشيط القطاع التجاري. كذلك سيذهب قسم منها للاستثمار في قطاع الكهرباء من دون تكليف خزينة الدولة استهلاك ما تملكه من الدولار، الأمر الذي سيسهم في حماية مدخراتها من هذه العملة لأن التعامل سيكون بالعملات المحلية.
واستبعد الأحمد، في حديثه مع «الأخبار»، أن تحمّل هذه العقود الدولة أعباءً مالية في المستقبل «لأنه سيسفر عنها مستقبلاً مشاريع استثمارية إيرانية تعود بالفائدة على البلد». ويشير خبير اقتصادي آخر إلى أنّه من السابق لأوانه الحديث عن أعباء، ولا سيّما أنّ الموضوع جاء كنجدة في لحظة أزمة خانقة، «وهنالك تنسيق بين سوريا وكل من روسيا وإيران والعراق والصين».
ويتابع: «طبعاً في العلاقات بين الدول لا توجد عواطف، ولكنها علاقات مفيدة لكل الأطراف، وذات طبيعة اقتصادية/ سياسية تحكمها استراتيجيات طويلة المدى، لن تكون سوريا رهينة لهم، فهي علاقة تبادلية (علاقة رابح _ رابح).
ويؤكد هذه الفكرة أستاذ في الاقتصاد في جامعة دمشق (اسمه؟)، موضحاً أن «الخوف لا يأتي من الدول الصديقة، وأن ما قامت به إيران اليوم له خلفيات سياسية، وسيكون التسديد على المدى الطويل وليس بشكل مستعجل وقريب، وغالباً ستعفى سوريا من ديونها في المستقبل». وشبّه هذه الحالة بالتجربة مع الاتحاد السوفياتي السابق، الذي أعفى سوريا من غالبية الديون التي كانت مترتبة عليها.
وعن الخوف من استيراد بضائع ذات جودة منخفضة عبر هذا العقد، يوضح الخبير أنّ العقد لا يلزم سوريا بنوع معيّن من المنتجات أو بشرائها من إيران حصراً، وعند حصول أي خلل فيه سيكون خطأ سوريا.
وبالنسبة إلى العقد المتوقع مع روسيا، يؤكد مصدر في وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية أنّ الأمر لا يزال قيد المباحثات، وقد تقدمت سوريا بطلب للحصول على مليار دولار، موضحاً أن الأمر في سياقه الطبيعي وهو يحتاج إلى بعض الوقت «ويجب الأخذ في الاعتبار أن العلاقات الاقتصادية مع روسيا ليست مثلها مع إيران، لأن موسكو تعمل بطرق غربية، أما إيران فتقدّر أن الأمر قد يكون له أبعاد سياسية واجتماعية أكثر من الأبعاد الاقتصادية».
وستموّل خطوط الائتمان الجديدة المقرر توقيعها المواد الغذائية والأدوية وكل مستلزمات القطاع الكهربائي، إضافة إلى استجرار حاجة المواسم الزراعية وتلبية متطلبات الخطة الزراعية وحاجات الثروة الحيوانية للعام 2014 من الأسمدة والمبيدات والأدوية البيطرية، كما تعمل المؤسسة العامة للتجارة على تنظيم عقود مقايضة مع العديد من الشركات السورية لتوريد السلع والمواد الأساسية، وخاصة السكر والأرز وذلك مقابل تصدير سلع ومواد من الإنتاج المحلي.‏